تعيش الرياض منذ بضعة أيام فرحة متوالية لفتوحات فكرية تشبه ما قبلها ولكنها ربما كانت تختلف في مادة الكتاب من ناحية تناولاته الآيلة إلى الكيف، إذ يقترن بكم رائع من نوعه. هناك توسع وبرامج ولقاءات وبوادر انفتاح ثقافي يعد بمزيد من الإصلاح فكرا وتوجها.. وهناك لغة جديدة أيضا برعاية ملكية وخدمات جليلة يسديها إلى الوطن وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، بوصفه مبدعا ووزيرا فاعلا يثير إلينا ومعنا حراكا جديدا من نوعه... وإذا ما كانت العاصمة الرياض تأتي أولا.. فقطعا سوف تكون محافظة جدة محطة لاحقة ومتلاحقة بهدف العطاء ومنح الكتاب مناخا يفضي بنا إلى سجالات ثقافية، فلعلنا نتعلم منها ما يصلح الحال وبه ينصلح الحوار وطنيا كان في الداخل أو خارجيا يأتي إلينا بعمق الانفتاح الذي تشهده حوارات الأديان في العالم.. وللواقع فالكتاب متفق عليه شكلا، ولكنه محل خلاف واختلاف لما هو عليه من الداخل، فالآخرون قالوا عنا ذات مرة ولعلهم لاحقا لازالوا على ما قالوه عنا بكوننا أمة لا تقرأ، والواقع أننا أمة فرض الله عليها المعرفة والفكر والتأمل ويأتي ذلك كله ممثلا في فعل الأمر الآيل إلى الحث بتوجيهه القرآني كما أنزل في قوله تعالى (إقرأ)... والقراءة لا تكون بغير شيء مكتوب، وهكذا فكلمة إقرأ التي جاءت في الكتاب استندت لاحقا بالإحالة إلى الكتاب الذي نزل من الله قرآنا على سيدنا محمد، ولذلك فأولى الناس بالإمامة في التراث هو أقرأهم لكتاب الله، وقد كانت فكرة القراءة مشمولة بالعلم هي المسؤول الأول عن بقاء اللغة العربية بعد القرآن الكريم طبعا في حالة ثبات دائم لعشرات القرون إلى الآن.. ومن حسن حظنا أننا نختلف عن الآخرين من الأمم من غير أن ندري، ففي أوروبا لا يستطيعون قراءة تراثهم القديم إلا من خلال الترجمات، لأن اللاتينية الآن هي لغة ميتة ولا يقرأ من خلالها سوى القليل القليل، وأما نحن فنستطيع قراءة تراثنا الديني كما أنزل بلغته، ناهيك عن التراث الفكري مكتوبا منذ القدم بنفس نمطه وقياسه الذي هو عليه، وهذا يعطينا مرونة أكثر وتحققا فكريا أكثر دقة، ومع ذلك وبه فكثير من الناس لا يشكرون الله حق شكره على نعمة العقل بتواصله من خلال اللغة الواحدة عبر عشرات القرون. ومن الواضح إلينا أن كلمة كتاب كانت موجودة عربيا، في الذاكرة الجماعية بنفس رسمها وعلى غير معناها الذي آلت لاحقا إليه، ففي مرحلة ما قبل العهد النبوي كان الكتاب يعني الخطاب المحمول سواء كان خطاب توصية أو كتاب تعيين أو على نحو الخطاب الذي حمله الشاعر طرفة بن العبد وفيه خبر قتله وهو لا يعرف أنه يحمل مرسوم قتله بيده، لأنه ببساطة بقدر حكمته التي جاءت في (إذا كنت في حاجة مرسل .. فأرسل حكيما ولا توصه..)، كان من الناحية الأخرى جاهلا، لأنه لا يعرف ما هو خاف عليه وهو يحمله بيده.. ونسأل الله أن يجعل معرض الكتاب شاهدا لنا لا شاهدا علينا، ونسأله أيضا بنصر مبين يأتي إلينا من لدنه قهرا لمرجعيات الجهل ورعاة الظلام !! [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 264 مسافة ثم الرسالة