تربية الأبناء ليست مهمة سهلة، وقد تبدو كذلك متى ما تمكنا من إعدادهم وتأهيلهم منذ وقت مبكر من خلال تحصينهم ذاتيا بما يضمه حمايتهم من الوقوع في الشبهات والانحرافات، انطلاقا واعتمادا على الفطرة السليمة التي خلقوا عليها. إن الأبناء أمانة في أعناق الآباء، والزوج الصالح والزوجة الصالحة هما الأساس والخطوة الأولى للتربية السليمة، ومن السنة الدعاء من أجل الأبناء الصالحين قبل ولادتهم كما كان يدعوا الأنبياء والصالحين؛ فزكريا عليه السلام كان يقول داعيا ربه (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) وإبراهيم عليه السلام كان يدعو ربه قائلا (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة) وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو أن أحدكم أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا) . ودعوة الشارع الحكيم إلى تربية الأبناء وتنشئتهم بما يعود عليهم بالنفع وعلى أسرتهم ومجتمعهم، ليست مقتصرة على الوالدين فقط، فالمؤسسات التعليمة والتربوية وكافة القطاعات المعنية بالأسرة والشأن الاجتماعي معنية بتربية أفرادها وحمايتهم من الفكر الضال والمنحرف، وينسحب ذلك أيضا بشكل تلقائي على المجتمع ودوره في التأثير المباشر وغير المباشر على الفرد إما سلبا أو ايجابيا. لذلك يجب على الآباء المشاركة ولو عن بعد في مساعدة أولادهم على اختيار الرفقة الصالحة تبعا ومحاكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)، وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي ومن المهم أن ينزه الآباء واجبهم في تربية أبنائهم عن كل مصلحة دنيوية، فليس من الضرورة أن ننتظر نفع الأبناء رغم مشروعية ذلك، المهم أن نسعى في صناعة وتأهيل عنصر صالح قادر على خدمة نفسه ومجتمعه ووطنه، ولو لم يكن للأب سوى اكتفاء شر الابن غير الصالح ودفع أذاه بالتربية الصالحة لكفاه ذلك. قد يغيب علينا أن التفرقة بين الأبناء في التعامل صورة من صور العنف تجاههم، فالعنف لا يقتصر على الإيذاء الجسدي فحسب، بل يكون على صور عدة فحرمانهم من التعليم عنف ضدهم، وكذلك إهمال تربيتهم ورعايتهم صحيا وعاطفيا عنف ايضا؛ لأن ذلك يؤثر سلبا على سلوكهم مع أنفسهم وبالتالي مع الآخرين فالأطفال الذين يتعرضون للعنف يتولد عندهم الرغبة الشديدة لممارسة نفس العنف ضد أنفسهم والآخرين، مع التأكيد على أهمية أن يمارس الأب دوره المشروع في اتخاذ كافة القرارات التي تخدم مصالح أبنائه واختيار طرق رعايتهم وتربيتهم ضمن الضوابط والأحكام المنصوص عليها شرعا بما يضمن سلامة الأبناء فكريا واجتماعيا وأخلاقيا، فكما للحاكم والقاضي الحق في زجر وتعزير المخطئ فإن للأب حق في تقويم كل سلوك معوج يراه في سلوك ابنه، وذلك ضمن الأطر الشرعية والنظامية والإنسانية. د . سعود الجهني