بدأت رحلة الفن التشكيلي المعاصر في المملكة، بداية حذرة منذ أكثر من نصف قرن، نظرا لما كان يكتنف الفنون عامة من حالة من التوجس تجاهها في المجتمع آنذاك، ومثل إقرار تدريس التربية الفنية كمادة أساسية ضمن مواد التدريس في التعليم الرسمي في الخمسينيات الميلادية دفعة كبيرة للفنون التشكيلية. وكان تحول الاهتمام بالفنون التشكيلية من مجرد اجتهادات شخصية على استحياء من بعض الفنانين والهواة، إلى منظومة من الأعمال والأنشطة التشكيلية، قد بدأ بتنظيم أول معرض فني مدرسي احتضنته وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف آنذاك) عند إنشائها، وقد لعبت تلك المعارض دورا مهما في الترويج والتعريف بالفنون التشكيلية في أوساط المجتمع السعودي، واستقطاب الموهوبين فيه، وإبراز إبداعاتهم التشكيلية. ثم جاء قرار وزارة المعارف، بابتعاث عدد من خريجي الثانوية العامة لدراسة التربية الفنية في مصر وغيرها، ومنهم على سبيل المثال محمد السليم وجميل مرزا وعبدالحليم رضوي رائد الحركة التشكيلية السعودية الذي انضم إلى البعثة الحكومية في إيطاليا، فضلا عن بعض من درسوا في الخارج على نفقتهم الخاصة، ولا سيما من السيدات، مثل صفية سعيد بن زقر، ونبيلة البسام. وعاد هؤلاء وغيرهم إلى المملكة، فأقاموا العديد من المعارض الشخصية، بالتوازي مع المعارض الجماعية المدرسية. وأدى هذا الزخم في الحركة التشكيلية السعودية إلى إنشاء معهد التربية الفنية في الرياض عام (1385)ه الذي يعد علامة فارقة في مسيرتها، وبمثابة الميلاد الحقيقي لها، تبعها إنشاء مركز الفنون بإشراف الفنان عبد الحليم رضوي، فتأسيس قسم التربية الفنية في جامعة الملك سعود (1395)ه، ثم في جامعة أم القرى. وتزامن ذلك مع إنشاء الرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي من خلالها تواصلت العروض المختلفة، في كافة مناطق المملكة، والأمل معقود حاليا على تضافر جهود وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام مع العديد من المؤسسات الفنية، ومن أهمها أتيليه جدة، والمركز السعودي للفنون التشكيلية، وبيت الفنانين التشكيليين، والقاعة العالمية للفنون في جدة، وصالة روشان للفنون الجميلة، بحيث يتم التنسيق والتعاون بينها، في اكتشاف وتشجيع المواهب الشابة، وإقامة المعارض الشخصية والجماعية المحلية، وتعزيز الحضور السعودي في المعارض الدولية والإقليمية، واستضافة معارض لفنانين عرب وأجانب، لإحداث نوع من التنوع والثراء في الحركة التشكيلية السعودية.