استجابة لدعوة كريمة من رئيس النادي الأدبي والثقافي في منطقة الحدود الشمالية ماجد بن صلال المطلق، سعدت مساء الثلاثاء الماضي بإلقاء محاضرة في قاعة الغرفة التجارية بعرعر عن الاستثمار في المناطق الحدودية، ودعوت فيها لإنشاء (منطقة اقتصادية وثقافية حرة) متعددة الأغراض في موقع منتخب )شمالي محمية حرة الحرة وجنوب غربي مدينة طريف( لأسباب سأوردها أثناء السرد. ورغم التجاوب الواضح على وجوه الحاضرين ومن خلال تعليقاتهم ومداخلاتهم بعد المحاضرة إلا أن تحسسا واضحا بدا أيضا من مفردة (حرة) رغم أن هذه المفردة تستخدم في الاقتصاد استخداما فنيا محددا لا يعدو كون السلع والمنتجات المتبادلة في المنطقة المخصصة معفاة من الرسوم والجمارك والضرائب المحلية قبل انتقال ملكيتها النهائية فإن كانت محلية للاستهلاك المحلي تخضع حينها لأنظمة المملكة، وإن كانت أجنبية أو بغرض إعادة التصدير فتخضع حينها لأنظمة الدولة التي تنتهي إليها. ولذلك لا أرى أية دواع للتحسس من مفردة يمكن أن تقف عائقا في وجه تنمية منطقة بأكملها حتى لو تلاعبنا بالألفاظ وغيرناها بمفردة أخرى، وأرى أن أعرض رؤيتي لهذه المنطقة المقترحة هنا لعلها تجد من يتبناها من أصحاب القرار الوطني سواء على المستوى الحكومي أو الخاص. فالمناطق الحدودية تعتبر في كثير من دول العالم من المناطق الطاردة للسكان خاصة منها تلك التي يسودها التوتر السياسي والعسكري أو تضعف فيها سيطرة الحكومات المركزية لسبب أو لآخر. وتشهد التجمعات البشرية الحدودية بصفة عامة هجرات متتابعة باتجاه المناطق الداخلية في الدول التي تتمتع بثروات أو فرص اقتصادية أو حتى خدمات عامة أفضل. وفي بعض الحالات تتجه الهجرات إلى الدول المجاورة أو حتى البعيدة الأحسن حالا بحثا عن فرص معيشية أفضل. ولكن منطقة الحدود الشمالية في المملكة تعتبر من المناطق السريعة الاستجابة للجهود والنشاطات التنموية، وما تجربة مرور خط أنابيب (التابلاين) لنقل النفط عبر البلاد العربية نحو ميناء صيدا اللبناني حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي سوى بيان عملي لتلك الاستجابة التي أسفرت عن بناء عدة مدن لم تكن موجودة أصلا، ولكن بعد توقف خط الأنابيب أصبحت المنطقة في أمس الحاجة إلى تنمية مستدامة تسهم في استمرار نموها وتخفيض معدلات البطالة فيها والتي تعتبر الأعلى على مستوى المملكة. ورغم صغر المساحة التي تحتلها منطقة الحدود الشمالية على خارطة المملكة العربية السعودية إلا أنها في الواقع منطقة كبيرة ومترامية الأطراف، فالمسافة بين أبعد نقطتين من حدودها الشمالية والجنوبية تصل إلى حوالي (1000) كلم، كما أن المسافة بين أبعد نقطتين من حدودها الشرقية والغربية تصل إلى (311) كلم. وتلتقي بحدود مباشرة طويلة مع دولتين شقيقتين هما العراق في الشرق والأردن في الشمال. ورغم أن معظم أراضي الحدود الشمالية صحراوية أو رعوية منبسطة إلا أن هناك أجزاء منها تحتلها المرتفعات الصخرية الوعرة (الحرات). ولحسن الحظ أن (الحرة) الكبيرة الواسعة في هذه المنطقة لا تبعد كثيرا عن الحدود الأردنية مما يمكن أن ينعكس إضافة إلى عوامل أخرى على إمكانية توطين (منطقة اقتصادية ثقافية حرة) متعددة الأغراض والإمكانيات، ويمكن أن تعوض المنطقة عن تبخر حلم الفوسفات الذي كتبت عن ضرورة توطينه في المنطقة ما يزيد على عشر مقالات ولكن قدر الله وما شاء فعل. ولذلك لا بد أن نتمسك بالتفكير الإيجابي بالنظر إلى المستقبل بدلا من النظر إلى الوراء والبكاء على ما فات. و منطقة الحدود الشمالية الاقتصادية الثقافية الحرة التي أفكر فيها هي منطقة جديدة في محتواها ومهماتها وتتناسب مع موقع المنطقة الاستراتيجي المهم بصفتها البوابة الشمالية المنفتحة على الدول العربية الشمالية وبالتالي على دول البحر المتوسط، وباقي الدول الأوروبية. كما أن هذه المنطقة يمكن في حال استقرار العراق أن تنفتح على منطقة (الأنبار) العراقية ومنها إلى باقي العراق وإيران وروسيا وباقي الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، ومنها عبر طريق الحرير المار بهذه الدول إلى الصين والدول الشرقية. ورؤيتي لها تتمثل في إنشاء منطقة عالمية حرة متعددة الأغراض والنشاطات الاقتصادية والتعليمية لتجميع وتبادل مختلف البضائع والمنتجات الثقيلة والخفيفة القابلة للتصدير وإعادة التصدير، والتأجير عبر الحدود، من المملكة وإليها، والاستفادة من الخبرات التعليمية والتدريبية المتوفرة في الدول العربية الشمالية وتركيا في توطين بعض التخصصات العلمية والفنية التي تحتاجها المملكة. أما أغراضها فيمكن أن تختصر بالتالي: الغرض الأول والرئيسي من إنشاء هذه المنطقة الحرة هو توفير فرص وظيفية كافية لاستقطاب الكفاءات المحلية في نشاطات اقتصادية تتميز بالتنوع والاستقرار الوظيفي ومستوى الدخل المرتفع. والغرض الثاني هو تحويل منطقة الحدود الشمالية إلى منطقة جذب سكاني لتعزيز مكانتها الاستراتيجية والإسهام في إعادة دورها الذي فقدته بعد توقف خط (التابلاين)، وهو المساهمة في تسريع الهجرة العكسية من مراكز الاستقطاب السكاني الكبرى مرة أخرى باتجاه الأطراف، مما سينعكس بدوره انعكاسا مباشرا على تعزيز الأمن الوطني. ويمكن أن تتكون المنطقة الحرة مبدئيا من العناصر التالية: 1. ميناء بري ومرافق تخزين وشحن وتفريغ لكميات هائلة من البضائع والمنتجات، 2. مركز لتجميع العربات والمعدات المجهزة للتأجير عبر الحدود مع مختلف دول العالم المجاورة والبعيدة. 3. معرض إقليمي دائم لأحدث العدد والآلات الصناعية والسيارات الجديدة والمستعملة المعفاة من الرسوم الجمركية بغرض التصدير، على أن يكون مفتوحا للاستثمار من قبل الشركات الأوروبية والأمريكية والآسيوية وغيرها. 4. معرض دائم للأثاث الأوروبي والعالمي بدون رسوم بغرض التصدير. 5. منطقة سكنية متكاملة قادرة على استيعاب كافة العاملين في المنطقة الحرة وعائلاتهم. 6. مجموعة من الموتيلات منخفضة ومتوسطة الإيجار للزوار والسياح والعابرين من المنطقة. 7. فندق من فئة الخمسة نجوم لكبار رجال الأعمال ويستفاد منه كمركز حضاري، ومركز لإدارة الأعمال وعقد الصفقات. 8. كلية للطب في تخصصات وثيقة الصلة بالأمراض المتوطنة في المملكة. 9. كلية للصيدلة ومركز أبحاث على النباتات والأعشاب العلاجية. 10. معهد متقدم للميكانيكا وإصلاح المعدات والعربات الثقيلة. كما يمكن تصور قائمة أهداف مبدئية لهذه المنطقة الحرة كما يلي: 1. إنشاء منطقة تبادل اقتصادي وعلمي عالمية حرة تخدم المملكة ودول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها وتشكل مركز استقطاب عالميا للتبادل التجاري البري. 2. تشجيع تجارة الترانزيت عبر الأراضي السعودية لربط شمال الكرة الأرضية بجنوبها وشرقها بغربها من خلال المملكة التي تمتاز بالاستقرار والأمن والإمكانات الاقتصادية الكبيرة. 3. الاستفادة من أجواء المنطقة وما عرف عن أبنائها من فطنة وقدرة فطرية موروثة في سرعة التعلم والاستيعاب، إضافة إلى توفر النباتات والأعشاب الطبية فيها والخبرات العلمية المتقدمة المتوفرة في الجامعات العربية الشمالية وتركيا، في توطين كلية للطب، وكلية للصيدلة، وعدد من المعاهد الفنية التي تحتاج إلى خبرات متقدمة خاصة في الميكانيكا وإصلاح المعدات والعربات. 4. تشجيع التعاون والتكامل العربي بطريقة عملية بتشجيع الدخول في مشروعات مشتركة تعود بالخير على الجميع، وتسهم في بناء قاعدة مصلحية للتكامل. أما الموقع فأقترح أن يكون في الركن الشمالي الغربي من (منطقة الحدود الشمالية الإدارية) جنوب غرب مدينة طريف وشمال محمية (حرة الحرة). ولهذا الموقع مزايا من أهمها: 1. يبعد حوالي (127) كلم عن الحدود العراقية باتجاه الأنبار ، وحوالي (93,5) كلم عن الحدود الأردنية باتجاه العاصمة عمان (بمقاييس جوجل إيرث لحساب المسافات)، مما يعني وجود عمق كاف داخل الأراضي السعودية للدواعي الاستراتيجية والأمنية. 2. يبعد حوالي (200) كلم عن العاصمة الأردنية عّان، و (375) كلم عن دمشق و (458) كلم عن بيروت مما يسهم من خلال اتفاقات تعاون مشترك في الاستفادة من الخبرات العلمية المتوفرة بعشرات الجامعات في هذه الدول الثلاث في تشغيل كلية متقدمة للطب بنظام التفرغ الجزئي لهيئة التدريس. 3. قربه من تركيا عبر سوريا مما يساعد في استقطاب الخبرات الفنية التركية المدربة في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية في تشغيل عدد من المعاهد الفنية على المستوى المتوسط لتوفير احتياجات المملكة من هذا المستوى النادر من العمالة الوطنية المدربة في هذا المستوى. 4. ملاصقته لمحمية (حرة الحرة) ذات التنوع النباتي والإحيائي البديع يفيد في توفير البيئة الطبيعية المناسبة لتوطين كلية للصيدلة ومركز للدراسات العشبية والنباتية الطبية. كما يفيد من ناحية أخرى في تشجيع السياحة الداخلية ونشاطات الترفيه كالمطاعم الشعبية ومواقع الترويح والسياحة الصحراوية كمضامير سباق الخيل والهجن ومخيمات القنص وملاهي الأطفال والمخيمات الربيعية المؤقتة للمواطنين والسياح العرب والأجانب. 5. من هذا الموقع يمكن الاستفادة من خط (سكة حديد الشمال الجنوب) في نقل البضائع من وإلى باقي مناطق المملكة ودول الخليج، كما يمكن بمد توصيلة (سكة حديد) أخرى من منطقة قريبة من الجوف باتجاه تبوك إلى ضبا، الاستفادة من ميناء (ضبا) البحري في عمليات الاستيراد والتصدير وتجارة الترانزيت مع مصر وأفريقيا. وتكتمل الشبكة بمد توصيلة من سكة (حديد الشمال) بالشبكة الأردنية للسكك الحديد التي لا تبعد أكثر من (130)كلم من الموقع وتتصل بخطوط السكة الحديد السورية فالتركية إلى كافة دول أوروبا.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة