هذان عنوانان لمقالتين سبقت إحداهما الأخرى وكيما أكون دقيقا فإن الأولى (جدة تغرق فى شبر موية) نشرت بتاريخ 4 من جمادى الأولى 1409ه وكانت تعبيرا عن حجم المأساة التي كشفت عن سوءاتها سيول الأربعاء .. وسبحان الله فالأربعاء هذا قاسم مشترك بين مكةوجدة والطائف بالأمطار وما ينجم عنها من سيول وأضرار .. ومن واقع التاريخ وعلى وجه التحديد يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى 1409 ه بما يعني 23 سنة وكان العنوان الثاني (لا يا معالي الوزير) تفنيدا لمزاعم الوزير فى ذلك الوقت والمسؤول عن البلديات والشؤون القروية الذي علق على مقالة جدة تغرق في شبر موية .. بأنه غير مستعد لإنفاق الملايين على مطر يأتي كل عامين أو كل ثلاثة ولمدة دقائق محدودة .. وأن الطريقة التقليدية (الحالية) طريقة الشفط هي الأمثل فى حد ظنه ورأيه لتصريف مياه الأمطار والسيول .. وكانت المقالة تختزل رأي نخبة من المثقفين ورجال الأعمال والمسؤولين الماليين فى تلك الليلة .. التى تحدث معاليه عبر الشاشة الفضية وجسد رأيه فى معالجة هذه المشكلة .. مما يعني سطحية فكر المسؤول وعدم قراءته للمستقبل .. وما يحمل من تبعات .. والتاريخ يؤكد لكل ذي لب وعقل أن الكوارث الطبيعية ليست تحت تصرف أو إرادة او إدارة كائن من كان سواء كان مسؤولا كبيرا أو صغيرا. واستمرت الحال على حالها حتى بعد أن غادر معاليه موقعه إلى موقع آخر .. وما زال يتمتع بالسلطة ضمن مسؤولي الحكومة حتى تحرير هذه المقالة .. مما يعني تراكم الأخطاء واتساع مدى تأثيرها .. ومن هنا تكررت المأساة تلو المأساة .. وبكل أسف فإن ما يحدث يؤكد أننا نمتلك ذاكرة مليئة بالثقوب كذلك المنخل الذي ينقي الأشياء ولكن ذاكرة المسؤولين عندنا تسقط عن غير قصد أو قصد تلك الأحداث وتغيبها في إهمال وفوقية وتعال على الحقيقة .. ولكن الحقيقة مرة ودائما تعلق في حلوق من يعانيها .. لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها. جدة والكوارث: مسكينة هي تلك المدينة التي تغنى بها الشعراء ورائعة حمزة شحاتة شاعرنا الكبير تجسد روعتها ومساحة العشق عند كثيرين ممن يعرفون (جدة أم الرخاء والشدة) النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق ورؤى الحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق ومغانيك في النفوس الصديات إلى ريها المنيع رحيق إيه يا فتنة الحياة لصب عهده في هواك عهد وثيق سحرته مشابه منك للخلد ومعنى من حسنه مسروق كم يكر الزمان متئد الخط وغصن الصبا عليك وريق ويذوب الجمال في لهب الحب إذا اعتيد وهو فيك غريق تتصبيني به في دجا الليل وقد هفهف النسيم الرقيق مقبلا كالمحب يدفعه الشوق فيثنيه عن مناه خفوق حملته الأمواج أغنية الشط فأفضى بها الأداء الرشيق نغما تسكر القلوب حمياه فمنها صبوحها والغبوق فيه من يحرك الرفق والعزف ومن أفقك المدى والبريق أنت دنياه رفافة بمعنى الروح وكون بالمعجزات نطوق رضى القيد في حماك فؤاد عاش كالطير دأبه التحليق ما تصبته قبل حبك يا «جدة» دنيا بقيدها وعشيق حبذ الأسر في هواك حبيسا بهوى الفكر والمنى ما يضيق «جدتي» أنت عالم الشعر والغنوة يروي مشاعري ويروق تتمشى فيك الخواطر سكرى ما يحس اللصيق منها اللصيق ولو عاش حمزة شحاتة ورأى ما نرى لمات واقفا .. أريد أن أقول إننا لم نستوعب الدروس وأن الشواهد كعمق المأساة لا يحرك فينا ساكنا إلا بقدر ما تجف فيه مياه الأمطار ثم بعد ذلك يذهب حماسنا وانفعالاتنا أدراج الرياح ومسكين المواطن الكليم وكل تلك الجراحات وكل تلك الخسائر نجيرها لحساب القدر تنصلا من الاعتراف بالخطأ والذنب. شباب جدة المتطوعون وسام: حقيقة رب ضرة نافعة .. فقد كشفت هذه الكارثة عن معادن شباب وشابات جدة من الجنسين .. الذين هالتهم الفاجعة ووقفوا فى وجه الطوفان ولم يهربوا من مسؤولية المواطنة بل تصدوا لإسعاف وإغاثة الملهوفين فى شجاعة ورجولة .. الأمر الذي عرضهم لكثير من المخاطر ولكنهم وبقدرة الله وبيقين لا تشوبه شائبة .. تمكنوا بفضل الله من أن يمدوا جسورا كان لها الفضل فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومطر الأربعاء الأخير قد خلف قصصا من الرعب (دونها أفلام الرعب لهتشكوك) وهي مادة لمن أراد أن يخرج قصصا تراجيدية تمتلك قوة التأثير فهي من بنات أفكار الكارثة وليست من وحي خيال البشر .. بل من واقع مرير. إن ننس لا ننسى رجالات الدفاع المدني ورجالات هيئة الأمر بالمعروف وكل الذين صنعوا تلك الملحمة الإنسانية التي حولوا معها بيوتهم دورا للإيواء .. أمنت روعة الملتاعين الذين عاشوا تحت خط الرعب والخوف لساعات ..سكنوهم لتهدأ أعصابهم وليحسوا بالأمان بعد الفزع والهلع والموت المحقق الذي كان ماثلا أمام أعينهم. الأخطاء ليست وليدة اليوم أو الأمس: بل الأخطاء تراكمية ومزمنة وتاريخ المقالة التي أشرت إليها فى المقدمة يؤكد الإهمال والتهاون وعدم احترام أرواح الناس ومدى ضعف البنى التحتية وسوء التخطيط وعدم المبالاة بالقدرة الإلهية والمتمثلة فى هطول الأمطار وما ينجم عنها من كوارث .. لذلك فإننا نكاد نكون من أفقر دول العالم في مشاريع الصرف الصحي وتصريف المياه .. وشبكات الصرف الصحي الأخيرة ما زالت تحبو فى دلالة على مدى العجز والقصور .. الشاهد الذي هو سمة لكثير من مشاريعنا .. وأن المال العام يهدر فيما لا طائل من ورائه. وتتكرر المأساة ونجابهها بالتصريحات والأقوال بعيدا عن الأفعال .. وهناك ضوء فى آخر النفق تمثله صرخة خادم الحرمين الشريفين وحجم اللجنة ورموزها ولعل وزارة المالية لا تكون كما كانت مجرد أرقام هلامية لا تفي بالغرض، وحسبنا الله ونعم الوكيل. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 132 مسافة ثم الرسالة