لا أتحدث عن المجاملة التي يمكن تمريرها بابتسامة ما، لكنني أصاب بارتباك حقيقي وفوضى داخلية عارمة حين يصفني أحدهم بالمثقف ويكون جادا في ذلك، والشعور الذي ينتابني لحظتها ليس حياء الواثق ولا خجل المتواضع، لكنه أقل لطفا وأكثر قساوة، شعور بارتباك المخادع المفضوح، فمهما نجحت في محاولة التعتيم على الآخر وأعترف: فعلت ذلك كثيرا وأحايين بمهارة تشبه مهارات الحواة، إلا أنني ظللت عاجزا رغم محاولاتي الجادة عن النجاح في التصالح مع نفسي أمام هذه الكذبة الكبيرة. وأكثر ما يرعبني الآن أن تزيد هذه الكتابة طين الوجع بلة، ذلك أن هناك من يمكنه اعتبارها تواضعا أو غرورا مواربا وهي ليست كذلك ولا تريد أن تكون كذلك على الأقل. هذه المرة لقد قرأت كثيرا، ومما لا شك فيه أنني استفدت كثيرا من قراءاتي المتواصلة، لكنني كلما واجهت نفسي بحقيقة أنني لا أجيد لغة غير العربية أصاب بإحباط شديد ومرير لا تبدو مقاومته ممكنة، وأستسلم إلى يأس ذابح وشعور آخر أشد قرفا، أشعر أنني كسيح قادني كل كتاب مترجم قرأته في شوارع واسعة لكن على كرسي متحرك وبمشيئة أقدام ورغبات وطاقة المترجم، أو كأنني شحاذ متسول يمد يده وعليه أن لا يكون وقحا فلا يطلب أكثر مما يلقى في يديه ويرمى إليه من المارة، متسول أعمى يقوده أهل الإحسان من المترجمين إلى الأماكن التي يجب عليه الجلوس فيها وفي آخر النهار يذهبون به إلى بيته لا يتركونه إلا بعد أن يتأكد هو من مقبض غرفته الصدئ وحين يدعوهم للدخول لا يفعلون ذلك عادة، إنها مأساة حقيقية، فحين تكون أعمى ويقول لك أحدهم: تعجبني وجهة نظرك لا يمكنك التأكد تماما ما إذا كان يمزح أو يسخر أو يجامل، ذلك أنك تعرف تماما أن نظرك بلا وجهة! صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]