الموهبة شيء، والهواية شيء آخر، جميل نعم، لكنه آخر، كلنا يهوى الغناء، وكلنا جرب ذلك، وكلنا يحب كرة القدم، وليس فينا، من لم يجرب ركل الكرة، مرة واحدة، على الأقل، لكن قليل منا، موهوب فيما يهوى، يمكننا فهم ذلك، بسرعة أكبر، حين يتعلق الأمر، بالفنون المكلفة ماديا، لصاحبها، وللآخر المستقبل لما نظنه موهبة فينا، فإن لم نتوقف عن الوهم، فإن هناك من سيتكفل بعملية إيقافنا، فحين لا يتمتع أحدنا بصوت حسن، وأداء معقول، فإنه لن يجد كثيرا من المهابيل، المستعدين، لإنتاج شريط كاسيت له، أو دعوته إلى حفل غنائي، في قاعة مستأجرة، بمبلغ كبير، وهو إن جرب تصوير أغنية فيديو كليب واحدة، على حسابه الخاص، فسوف يتردد كثيرا، في إعادة التجربة، فإن لم يتردد، فسوف يصبح بعد قليل متأكدا من شيئين معا: فقدان الموهبة، وفقدان الحساب الخاص أيضا!، والذي يظن منا أنه موهوب، في كرة القدم، وسمحت له السن، بأن يشطح قليلا، في الحلم، فإن أقصى ما يمكن له فعله، هو الركض في الحواري، فهو ما لم يكن موهوبا فعلا، فلن يجد ناديا، يقبل تسجيله، وحتى مع الواسطة، فإن الجمهور، سوف يخرجه من الملعب، بإدخال كمية كبيرة، ومقنعة، من العلب الفارغة، للمساحة الخضراء، عندها، سيقتنع بأن علاقته بالكرة، علاقة هواية، وليست علاقة موهبة، ينطبق ذلك على فنون كثيرة، كالرسم، والنحت، والموسيقى، والتمثيل، وحتى الرواية، والكتابة الصحافية، وفنون أخرى، باستثناء الشعر، في الشعر، تكون الهواية، قادرة بسرعة على الخداع، وصناعة الوهم، فيظن الهاوي، أنه موهوب، أنت في الشعر، لا تحتاج إلى أموال، من أي نوع، حتى الورقة والقلم، يمكن الاستغناء عنهما، والاعتماد على الهيجنة، والحفظ، كما أن الآخر، المستمع، لن يكون مكلفا، بدفع فاتورة، الوهم الساكن فيك، والمفاهيم الملتبسة لديك، فهل هذه دعوة لأن يكون الشعر، مدفوع الثمن، لا طبعا، فأنا أزعم أن في طبيعة الشعر نفسه، أمر يمكن الالتباس، من السيطرة على الموقف، ويمكن الوهم، من الحضور بكامل أناقته، وقد تنبه العرب القدماء، إلى مثل هذا الأمر، فراحوا يبيحون للإنسان مثلا، الفخر بنفسه، والزهو بها، شرط أن يكون ذلك شعرا، لا نثرا، ولاحظوا أن المستمع قد يستسيغ مثل هذا الأمر، لكنه يتأفف مما استساغه شعرا، في مدح الذات، حين يكون نثرا، ويسميه غرورا، وعنجهية، وربما أغلظ لصاحبه في الرد، بدلا من التصفيق له، والتهليل لأبياته، كان قدماء العرب، على دراية تامة، بانحلال الروابط الفاصلة بين الهواية والموهبة في الشعر، وكانت من لطائفهم، التي تركوها لنا، الملاحظة التي تشير إلى أن الإنسان، يعرف سفاهته في النثر، أكثر وبكثير من معرفتها في الشعر!، آه أيها الشعر، ما ألطفك، وما أرحبك، وما أقساك، وما أضيقك!. فهد عافت صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]