أتصالح مع المرايا، لم يعد لديها قدرة على المفاجآت غير السارة، فقد ألفت هذا الشعر الأبيض وألفت تكاثره، أخفيه بالأصباغ، لكنني لم أعد أبغضه وإن كنت أبغض فيه إمكانية أن أكون ناصحا لشباب هم في عمر أبنائي لولا أنني أخرت الزواج حتى سن الأربعين. لا أحب النصائح والفرق أنني في سن العشرين لم أكن أحب أن تقال لي واليوم لا أحب أن أقولها لأحد. لا أعني أن خبرات الناس ليست مفيدة، لكنني لا أطمئن للنصائح المباشرة المحددة وأفضل عليها دائما الشغف الإنساني النابه بالاستفادة غير المباشرة والتعلم عن بعد. ففي ذلك جمع طيب لتعيش حياتك كما هي أو كما تريدها أو كما تحاول أن تجعلها، مستفيدا من خبرات الآخرين دون استعارة مشاعرهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم وطرائق تفكيرهم. ففي سماع النصيحة دون جهد ذاتي للوصول إليها بنفسك ما يبقي حياتك ناقصة، خذ عندك هذا المثال البسيط، أنت لو سألت أحدهم عن الكتب الجيدة التي ينصح بقراءتها وجاءتك النصيحة صادقة وممن هو أهل لها فإنك باتباعك لهذه النصيحة تظل قاصرا عن الوصول إلى مستوى هذا الناصح؛ لأنه قرأ أضعاف أضعاف ما سوف تقرأ، فالجيد والجميل نادر ولا بد أنه أبحر في دنيا القراءة والكتب فعرف دررها وحصاها واكتشف معادنها الثمينة والرخيصة، وهو بعلم منه أو دون علم قد استفاد من رديئها مثلما استفاد من جيدها، لكنك لن تقرأ سوى ربع ما قرأ على أكثر تقدير وسوف لن يعجبك مما قرأت سوى ربع الربع هو ما سوف تنصح بقراءته لمن سوف يأتي ويطلب منك النصيحة فيما بعد فإن تبع هذا الأخير نصيحتك فانظر ماذا يحل به من ضعف ووهن في المعرفة والأفق، أما إن تخيلت أن هذا الأخير الذي طلبك النصيحة فيما يقرأ سوف يأتيه من يطلبه النصيحة ذاتها ويأخذ بها فإن المشهد سيكون كاريكاتوريا مضحكا وشديد الأسى في آن، وقس على ذلك. صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]