خلق الله الإنسان وأعطاه العقل واللسان ليس عبثا أو للثغاء بل من أجل أن ينطق بالحق في لباس من الإحسان ويذود به عن العدل وحقوق الإنسان وهي الأمانة التي كلف بها ليمارس حريته المرتبطة بعبوديته لله سبحانه فينطق بالحق ويسدي النصيحة فيما يحفظ الحقوق ويصون المصالح ولا يخالف أصول ومقاصد الشرع الحنيف، كشفا للحقيقة ونقلا الواقع بلا تزييف بل تحريا للدقة والصدق. ليس لأحد احتكار الحق أو ادعاء الحقيقة المطلقة، فالحق مجموعة آراء وأفكار وتنوع اجتهادات وتيارات أقرها القرآن الكريم: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» ،كما أنه ليس لأحد أن يكتم الحق ويخفيه وهو يعلمه لأي أمر كان، قال أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) حملني قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه» على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه ثم رجعت، وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم «أن أقول الحق ولو كان مرا». ومن الدين ودليل الإخلاص الإفصاح عن الرأي وإسداء النصيحة مؤمنا بما يقول صادقا فيه ملتزما بما يقول ليكون قدوة لغيره: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» ولايكون طبيبا يداوي الناس وهو عليل فتلك مصيبة وخداع، ويتمثل حق الرأي في حقوق منها:- 1-حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون»، إذ لا بد أن يكون في الأمة من يدعو للفضيلة وينهى عن الرذيلة، لئلا يتحول المجتمع إلى حمأة عفن ويتدرج إلى حتفه ثم زواله: «وأنجينا الذين ينهون عن السوء» فإذا كان في المجتمع من يأخذ بأيدي أفراده للحق ويحذرهم من الآفات والشرور وعواقب الظلم ارتقى سلم الحضارة وسعد بمنتجاتها السامية، وما حديث السفينة إلا بيان لوجوب التدخل الحاسم لحماية المصالح العامة من أن تصبح ألعوبة في أيدي البغاة والمحتكرين. 2- حق الاجتهاد الذي يعتبر مصدرا من مصادر التشريع : «من اجتهد فأخطأ فله أجر ومن اجتهد فأصاب فله أجران» . 3- حق النصيحة لمستحقها ووجوبها على القادر عليها: «النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم» . 4- حق الشورى ووجوب طلبها وتفعيلها في المجتمع وتهيئة وعائها المدني فهي التطبيق العملي لحرية الرأي حفظا لحقوق الأمة والمجتمع من أن يعبث بها السفهاء والأهواء وحماية للمصالح العامة من أن تسيطر عليها المصالح الخاصة: «وشاورهم في الأمر» وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يطلب آراء أصحابه في كل الأمور التي لم ينزل فيها وحي . 5- حق التحذير من الشر والفساد وأهله والتشهير بالمجرمين، ففي حديث عائشة (رضي الله عنها) قالت: لما أقبل رجل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «بئس أخو العشيرة بئس ابن العشيرة، فلما جلس تهلل وجهه أمامه فقالت عائشة: لما رأيته قلت فيه كذا وكذا وحين جلس انبسطت إليه، فقال عليه السلام : متى عهدتني فاحشا، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره». 6- حق النهي عن السوء وكبت الفاحشة وعدم نشرها في المجتمع: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون». 7- حق إعمال العقل وإنتاج الفكر وكفالة البحث العلمي وحماية أهله ليساهموا في حماية الفضيلة وإنتاج الإبداع: «إنما يتذكر أولو الألباب»، ومنح الإعلام مسؤوليته منافحا دون الاعتداء على الحريات العامة أو الإضرار بأحد أو المساس بالثوابت والمقدسات الدينية ملتزما بمراد قوله تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد». وحين التمتع بحق الرأي والتعبير لابد أن تراعى الأساسيات والآداب والأخلاقيات المرافقة لذلك ومنها: 1- أن يكون صاحب الرأي مخلصا فيما ينادي به متخليا عن المآرب الشخصية قدوة فيما ينادي به منتهيا عما يحذر منه «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». 2- أن لا ينتج عن إبداء الرأي أي أضرار تلحق بالناس واحترام شخصياتهم وصيانة أعراضهم وأموالهم وأن لايكون فيه غيبة ولا نميمة «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا» أو سخرية واستهزاء، ولا قذف ولا اتهام ولا تكفير ولا افتراء. 3- عدم الاستبداد في الرأي والاستعلاء بأن رأيه هو الأصوب والأفضل وغيره ساقط : «كل يؤخذ من رأيه ويرد إلا صاحب هذا القبر»،ومن ذلك الاستبداد باسم الدين فهو مرفوض إلا ما جاءت به المحكمات والثوابت. 4- تجلية الحق وتوضيحه دون تمييع أو تعتيم أو تزييف وتضليل: «ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون». 5- أن يكون للتعبير وقول الحق وإبداء الرأي هدف سام يعود بالنفع على الجميع دون أن يمس حقوق الآخرين أو يؤذيهم أو يضر بمصالحهم بل نقد يبنى ولا يهدم ومطالبة بالحق في إطار من الحب وحسن الأسلوب «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن» [email protected]