يلاحظ المتابع للأعمال الدرامية السعودية ميلا لطرح القضايا الاجتماعية بأسلوب يأخذ قالبا كوميديا، مما أفرز جرعة كوميدية قد تفوق الحد المطلوب. لكن العقدة لا تبرز في الكم الكبير من هذه النوعية من الأعمال، حيث السؤال الذي يطرح نفسه: هل مهارة الفنانين هي السبب الخفي وراء بروز الجانب الكوميدي في الدراما السعودية؟ أم أن السعوديين أنفسهم أصبحوا لا يتذوقون سوى الأعمال الكوميدية؟ يعتقد الفنان حسن عسيري أن التركيز على الجانب الكوميدي أخيرا هو اكتشاف لحس الكوميديا العالي لهذا الشعب، «فالشعب السعودي يتمتع بالدم الخفيف، ويطلق تعليقات فكاهية ونكتا عبر الجوال، كما أن موقعي المساطيل وإقلاع على الإنترنت من أكثر المواقع المتخصصة في الضحك التي يزورها المئات يوميا». ويوضح عسيري «أننا كنا في فترة من الفترات نعاني من مشكلة في صناعة التلفزيون عموما، أما الآن فأصبح هناك وفرة في السوق، كما أن جميع القنوات التي يهمها السوق السعودي ترى أن المشاهد يتقبل العمل الكوميدي أكثر من التراجيدي، فالأعمال التراجيدية احتلت الريادة لفترة طويلة، إلا أن هذه السنة غلبت كفة الكوميديا». سلة الفواكة ويشير الفنان عسيري إلى أنه من غير الممكن أن يتابع المشاهد الكوميديا فقط، «إلا أن سلة الفواكة الدرامية المنوعة تبقى الأفضل على الإطلاق، بحيث ينتقي المشاهد ما يناسبه من أعمال متنوعة». ويرى «أن الكوميديا نقاش منطقي ساخر لسلبيات المجتمع، فالكوميديا السعودية كونت قاعدة جماهيرية كبيرة، ونجحت في أخذ وضعها الصحيح على الساحة؛ لأن بناء العمل التلفزيوني الصحيح يجب أن يكون موجها إلى شريحة معينة لكي ينجح، فكل الأعمال التلفزيونية المشتركة فشلت من وجهة نظري». الكوميديا السوداء أما الكاتب والشاعر عبد الوهاب العريض فيعتبر «أن الأعمال الكوميدية السعودية محاولة للتعبير عن الكوميديا السوداء في ظل الضغط النفسي الذي يعيشه الفنانون أنفسهم، فالمجتمع أصبح يتقبل النقد الساخر أكثر من أي قالب آخر، كما أن فشل القالب التراجيدي في الدراما السعودية في إيصال الصوت الحقيقي كان بسبب القيود التي فرضت داخل الإنتاج، مما جعل الممثل ينجح بشكل أكبر خارج نطاق المملكة وفي الأعمال الخليجية تحديدا، الأمر ذاته بالنسبة لكتاب السيناريو، فنجده ينغلق على ذاته في النطاق المحلي بينما يتحرر كتابيا في الخارج، وعلى سبيل المثال فإن الكاتب عبد العزيز إسماعيل قادر على تفنيط المسألة الدرامية بشكل واع، حيث يرى أننا تحولنا من الدراما إلى الكوميديا لأننا فشلنا دراميا». ويلحظ العريض أن الممثل السعودي يعاني من تكرار نفسه بصورة نمطية وفي قالب محدد، مما جعل المشاهد يرفض تقبله في غير هذا القالب، فتقمص الفنان ناصر القصبي للأدوار الكوميدية في بداياته جعل المشاهد لا يقتنع به ولا يتقبله سوى في الأعمال الكوميدية، كما أن ضعف النص والإنتاج في ظل الافتقاد للمعايير في اختيار النصوص محدودية المساحة المتاحة للحرية أودت بحياة العمل الدرامي. ويقول العريض: «للأسف لقد ربطنا الرصيد الكوميدي للأعمال السعودية برمضان، وأغفلنا ذاكرة المسلسلات التاريخية المؤثرة مما أشعر المشاهد بحالة إرباك تشبه اغتصابه دراميا، فالأعمال الكوميدية السعودية مجرد اجتهادات فردية، لكنها ليست صناعة حقيقية على الرغم من المحاولات المتعددة لتسويق هذه الأعمال خارج النطاق المحلي، إلا أن افتقارها لوجود بيئة خصبة للنجاح حصرتها داخل إطار ضيق». أدبيات الطرح ويعلق أستاذ النقد في جامعة الطائف الدكتور عالي القرشي على هذه القضية بالقول: «إن المدة الزمنية التي يستهدفها المنتج الدرامي تحدد فترة البث تبعا لميول المشاهد المستهدف، حيث أعطت أدبيات معينة في الطرح كالتسلية والضحك وإغفال جوانب أخرى أكثر أهمية، فلدينا مشكلاتنا وقضايانا، إلا أن كتاب النصوص لديهم رؤيتهم وأبعادهم الخاصة». ولا يرى القرشي أن الكوميديا السعودية مهارة فنانين «خصوصا أن لدينا أسماء محددة في هذا المجال، فنحن بحاجة للخروج من الإطار الكوميدي إلى إطار أكثر جدية وشفافية في المعالجة والتغيير». وحول المشكلات التي تواجهها الكوميديا السعودية، يقول: المشكلة أن مساحة المتلقي لدينا غير مدروسة أو متأملة بشكل جيد، فالتأمل يأتي من خلال تجربة ما يطرح، فالخلل عبارة عن عملية معقدة من منظومة متكاملة يندرج تحتها ضعف النصوص وسطحية المتلقي والقناعات الفردية وعدم ثقة الممثل في قدراته ووعي المشاهد، فالفن تبدو رسالته ليست في طرح المشكلة أو معالجتها فقط إنما في الوعي وإبراز القيمة الغائبة والمسؤولية المفقودة، وأعتقد أننا نجحنا كوميديا في طرح العديد من القضايا. ويؤكد القرشي أن الأعمال الكوميدية السعودية استطاعت استقطاب المشاهد المحلي لأنها تعكس نبض المجتمع على كافة مستوياته من قطاع خاص وعام وعلاقات اجتماعية، وهو ما يتماشى مع النسق العام، وفي الآونة الأخيرة أصبحنا نستقطب المشاهد الخارجي بشكل أكبر من السابق؛ لأننا ارتقينا بمستوى أعمالنا الكوميدية إلى حد كبير.