تبدو مجموعة «لا تجرح الماء» للشاعر السعودي أحمد قران الزهراني رغم ما فيها من صور وسمات رمزية ووجدانية، أقرب إلى خطابية مدوية وحضور منبري. ويبدو الشاعر في المجموعة عامة كأنه يشرف على عالم قصائد مجموعته من عل كقائد يراقب ساحة معركة.. يتكلم هنا ويدوي صوته هناك، حتى حيث يفترض أن يكون التعبير أقرب إلى الهمس بمعناه الفعلي حيث تقضي الضرورة وبمعناه النقدي الجمالي الذي أطلقه الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور خاصة في الحديث عن بعض شعر ميخائيل نعيمة. وتأتي أبيات قصائد الشاعر من خلال خطابيتها أقرب إلى حشد بلاغي وإلى نوع من الحساب العقلي أو إطلاق الأفكار في الوجود، لكن ذلك كله يرد غالبا في صور بلاغية ومجازية في شكل خاص وكثير منها إذا أخذ على حدة قد يكون جميلا موحيا. وعلى ما عند أحمد قران الزهراني من جمال في شعره فهو كشاعر لم يستطع أن يذوب في عالم القصيدة أو أن يحجب حضوره الشخصي الطاغي بأي شكل فني. بل أن الأمر يظهر أقرب إلى عكس ذلك أي كأن العالم كله قد ذاب في شخص الشاعر وأخذ يتحدث بصوته الجهوري. وفي أحيان كثيرة بدا الشاعر كأنه غير قادر على السكوت وكأنه في خطاب مستمر أمام حضور قد يتحول إلى العالم كله في بعض الأحيان. صدرت المجموعة عن الكوكب، وهي فرع لدار رياض الريس للكتب والنشر. وجاءت في 127 صفحة متوسطة القطع بغلاف من رسم وتصميم أحمد عثمان. استهل الشاعر مجموعته بنوع من الحكمة التي تأتي كأنها عظة فيقول: «لا شيء بعيدا إلا بقدر عجزنا/ عن الوصول إليه../ ولا شيء قريبا إن لم يكن مناله ممكنا». أما الإهداء فقد جاء على الشكل التالي: «للغرباء في أوطانهم/ كسرة خبز/ قطرة ماء/ رداء شفيف/ وفضاء حرية». القصيدة التالية وعنوانها «قصيدة» هي محاولات لتحديد القصيدة وقد جاءت أشكال هذا التحديد في قسم كبير منها نوعا من التتابع المنطقي والأفكار التقريرية التي أعطاها الشاعر صورا مجازية. يقول: «القصيدة/ نافذة الروح/ قول الحقيقة في موطن الشك/ صوت الملائكة في غسق الفجر/ طعم الأنوثة في مبتدأ الليل/ معنى الطفولة/ سر الغياب الحضور/ الكتاب المؤجل/ وجه الحياة المؤبد...». قصيدة «وشاية الغربة» على رغم موضوعها الجدير بأن يكون لصيقا بالنفس مؤثرا بل محزنا، جاءت مغرقة في الخطابية بل في المنبرية. ننظر إلى أسطرها فتتهيأ النفس لما هو أقرب إلى أجواء ما سمي الشعر الحديث القائم على التفعيلة وتعدد الأوزان والقوافي. وعندما نقرأ نواجه «خليلية» خاصة جلية وإن تكن بعض أوزان الخليل قد خضعت لنوع من علمليات التجميل الحديثة.