كالجبل يُعرف في ارتفاعه وصموده، لم تُثن عزيمته عواصف الزمن، ولا مكائد الكائدين، كان كالشمس التي لا يُخفى شعاعها، وتبث الدفء في وجدان المحبين، قامة فنيّة قُدِّرَ لها أن تحيك من وشائج الودّ أواصر وثيقة مع كل متذوق للفن، حتى غدا كالقطب الذي يجذب بوصلة الدراما نحوه في أي اتجاه يقصده، عَلَمٌ بارزٌ خطّ اسمه لامعاً من نور بريقه، وصنع مجداً غير مسبوق ومسيرة فنية لا تغفلها ذاكرة الزمن. إنه ناصر القصبي، أو «أبو راكان» كما يناديه السعوديون، الشخصية النقية، لازمه المتابعون، ولازمهم طوال أكثر من 3 عقود مضت، بظهوره الباذخ وأدائه المبهر، وإتقانه الفني البديع، وطابعه الخاص به في الأداء، أضحكنا، أفرحنا، أسعدنا، أبكانا، رسم التفاؤل بين جنبات مشاعرنا، وصافح قلوبنا وعقولنا، أحبه المتابعون، وأحبهم، ولكن وإن بقي الحب، فمن يعيد لنا المحبوب؟. رمضان هذا العام ليس كغيره في فضاء الدراما، إذ تسمّرت أعين المتابعين بحثاً عن لمحة أو تشويقة تُظهر النجم اللامع «أبا راكان» في ثنايا أي «برومو» للمسلسلات والأعمال الفنية، تترقب بصيص أمل يحيي ذكريات «طاش ما طاش»، و«عيون ترقب الزمن» بحثاً عنه، وقلوب تهتف «خلك معي»، ونفوس تتوق إلى ومضة «سيلفي» يلتقطها «أبو الملايين»، وعن «عاصوف» أثار وهج السنوات، وعن، وعن، وعن، ولكن، يبقى السؤال: ماذا يحمل قادم الأيام؟. وهاهنا، وقبل أيام من انطلاق موسم رمضان، يقف المتابع المحبّ كمن يبحث عن ماضٍ لن يعود، وذكريات حيّة في شرائط الأذهان، وأزمنة غادرناها على أمل أن تتكرر، ولكنها الحقيقة، ولأول مرة يغيب ناصر القصبي عن الأعمال الدرامية في رمضان، بعد أن أنعش الآمال في العام الماضي ب«طاش العودة» التي استبشرنا بها، لعلّها تكون عودة تروي ظمأ المتابعين، ولكن ما لم ندركه أنها كانت العودة التي لا عودة رمضانية بعدها كما يبدو، إلا إذا جاءت البشرى في ما بعده، حيث تأكد للجميع أن هذا الموسم لن يحمل في طيّاته اسم ناصر القصبي، تاركاً لمحبيه بصمة بارزة لن تزول. هذا الغياب لم ولن يكون عابراً على كل من سمعه وعلم به، حيث ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بعبارات الاشتياق والامتنان التي عبّرت عن مكنونات محبي القصبي، ولسان حال الجميع يقول «كيف يكون رمضان بدون طلّتك علينا؟»، كما كان أبرز تلك العبارات منشور للفنان والممثل السعودي علي الحميدي، حيث قال: «وإن غاب المطر لا يغيبُ أثره.. ناصر وفن ناصر ومسيرة ناصر لها الخلود.. كل جيل بعد جيل ناصر مدين لتلك المسيرة وذلك العطاء.. هي ليست استراحة محارب بل استراحة جيش اسمه ناصر القصبي.. وغداً يعود.. لابد أن يعود». يذكر أن الفنان ناصر القصبي بدأ مسيرته من خشبة المسرح، وكان أول مسلسلاته هو المسلسل الأردني «وادي الجرف»، وكانت فترة التسعينيات الميلادية بمثابة شعلة الإنتاج للقصبي، إذ أنتج مسلسل «حكايات قصيرة» و«صراع الأجيال»، ثم قدم المسلسل العريق «طاش ما طاش» الذي استمر 18 عاما. كما أدى دوراً صوتياً لأول مرة في المسلسل الكرتوني «طيش عيال»، كما قدم عدة أدوار بارزة عبر مسلسلاته، مثل شخصية «غضب» في مسلسل «أبو مشعاب»، وشخصية «سليّم» في مسلسل «كلنا عيال قريّة»، إضافة إلى شخصية «خالد» في المسلسل الشهير «العاصوف».