لك عزيزي المشاهد أن تتخيل نفسك وقد غاب مسلسلك المفضل الذي كنت تتابعه بعد الإفطار مباشرة على مدى 19 عاما. أجزم أن المشاهد السعودي والخليجي، بل والعربي الذي ارتبط بالمسلسل الشهير "طاش ما طاش" لنحو عقدين من الزمن لا يتخيل رمضان بدونه؛ وقد كان متابعا لمسلسل مثير للجدل طوال سنواته الأخيرة، بعد أن خرج من عباءة التلفزيون السعودي إلى قناة mbc، وأخذ جرعة لا بأس بها من الجرأة في مناقشة قضايا المجتمع، وتجاوز ما أسموه ب "الخطوط الحمراء". لم يتوقف المسلسل طوال 19 عاما إلا عاما واحدا؛ وحضر في المقابل نجومه آنذاك مجتمعين في مسلسل "عيال قرية"، لعلهم يجدون له بديلا، ولكن لم يكن البديل المناسب ل "طاش ما طاش"، مما دعا نجومه إلى التراجع، وإعادته في العام الذي يليه، والاستمرار في عرضه خمس سنوات متتالية، لكنه هذا العام عاد، وتوقف، وانفصل نجماه الثنائي الشهير، ليجد المشاهد نفسه منفصلا هو الآخر عن مسلسل نشأ معه جيل كامل. علاقة المشاهد العربي ب "طاش ما طاش" أشبه بالعلاقة بين ناصر القصبي، وعبد الله السدحان؛ إذ لم يكن الانفصال فيها متوقعا، ولكن الآن وقد حل الانفصال، سيترك النجمان ناصر القصبي وعبد الله السدحان اللذان عرفهما المشاهد مجتمعين فراغا كبيرا، وسيترك مسلسل " طاش ما طاش" مساحة من الفراغ لن تسد مهما كانت الأعمال الفنية الرمضانية المنافسة. حتما سيكون الفضاء مزدحما بأعمال فنية رمضانية، يقدمها نجوم الكوميديا، ولكن "طاش ما طاش" ذو نكهة خاصة، فقد كان مدرسة لا يختلف عليها اثنان، وتخرج منه كثير من نجوم الفن الذين سيتصدرون المشهد خلال هذا العام. بقي القول إن المشاهد الذي ارتبط كثيرا ب "طاش ما طاش" لن يجد بديلا عنه إلا العمل الذي يرضي ذائقته، ويكون بحجم" طاش ما طاش" من حيث الكوميديا التي زرعها نجما المسلسل، والجرأة في مناقشة قضايا هامة في المجتمع، والقدرة على إثارة الجدل في أوساط المجتمع بين الذين يتفقون ويختلفون حول القضايا المختلفة، والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية سنة الحياة، وظاهرة صحية لا بد منها. فهل سيعود "طاش ما طاش" مرة أخرى خلال الأعوام المقبلة، أم سيبقى من ذكريات الماضي التي نسترجعها من خلال "يوتيوب" كلما اشتقنا إليها؟