رنّ جرس المنبه قبيل الفجر، واستيقظت كعادتي، ثم لم ألبث أن أدركت أنها الإجازة، استلقيت من جديد في محاولة للنوم، ولكن شريط الذكريات أبى، وبدأ في استعراض ذكريات عام دراسي مليء بالإنجازات والمواقف. كنت في هذا الوقت أركض مسرعة لأتجهز في محاولة للخروج قبل السادسة، وقلما تنجح المحاولة فأجدها تجاوزت الدقائق العشر، ثم أركب سيارتي مسرعة علّني أدرك «الخط الأحمر» الذي هزمني مرات عدة كانت فيها الشوارع مكتظة، ثم يبدأ طابور الصباح وتليه الحصة تلو الأخرى، تتخللها الكثير من الحوارات والمواقف. عام مضى كنت أسابق فيه الزمن لأكمل المنهج، وأحاول جاهدةً الوفاء بمستلزمات العملية التعليمية والتربوية على السواء.. ليس أمراً سهلاً أن تسبر أغوار العقول لتخط معلومة وقيمة وأدباً، ثم تغوص في أعماق الأنفس لتربت وتطبطب وتدعم، ثم تحلق بالأرواح لتبتهج وتتقد وتعلو، وتغرس فيها قيماً وتكوِّن مبدأً وتصقل شخصية بين درس مقرر منهجي أو نشاط تربوي لا منهجي أو عمل تطوعي، لتبني جيلاً هو لبنة وطن، وتعده لينهض بمستقبلنا ويكمل المسيرة ويحقق مجداً في شتى مجالات الحياة. في «لحظة إدراك»، تنبهت أن إجازتي شهر وأيام تتخللها إجازة عيد الأضحى، إذا تبقت أيام هي ذاتها إجازة أي موظف حكومي يختار وقت إجازته السنوية بما يتوافق مع ظروفه ورغباته وإمكاناته. تساءلت: ألست أحق بالاستثناء والمزيد من الهبات لأني معلمة؟، أليس المعلم أولى أن يكون الأعلى أجراً والأطول إجازة والأكثر امتيازاً؟.. إنه يواجه العقول كل يوم.. إنه يقابل الأنفس ليقومها وليس الورق.. إنه يشكل الطموح ويقوم العوج ويحلّق بالأرواح عالياً ليخرج للمجتمع الموظف في بقية الإدارات. أخيراً.. خشيت على إجازاتي من الاغتيال، ولهفتها من الانطفاء، وأيامها من الهوان، فحصنتها وأوقفت شريط الذكريات، وقررت أن أستمتع لأعود بعدها أكثر إشراقاً لعام دراسي جديد.