بالفعل قمة جدة غير اعتيادية، إذ تشهد زخماً واسعاً من اللقاءات بين الزعماء والقادة العرب والدخول في مباحثات سياسية جادة من أجل التوصل إلى بيان ختامي يلبي طموحات وتطلعات شعوب الدول العربية، خصوصاً في ظل الأوضاع التي تمر بها العديد من البلدان العربية وعلى رأسها فلسطين بما يحدث من انتهاكات اسرائيلية، فضلاً عن الأوضاع المتردية في السودان والاقتتال الداخلي، إضافة إلى توسيع دائرة العرب لاحتواء الأزمة السورية. منذ اليوم الأول من القمة انعقدت العديد من اللقاءات بين وزراء خارجية الدول العربية، فضلاً عن نشاط الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مع الملفات الساخنة، ومعظم هذا الحراك السياسي يعمل للتوصل إلى بيان ختامي يليق بمستوى القمة. المفاجأة في القمة والخطوة السياسية المتقدمة هي حضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي قبيل التوجه إلى اليابان لحضور قمة الدول السبع، أما المفاجأة الثانية فهي حضور الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 12 عاماً، إذ تأكد خبر وصوله قبل يوم واحد، في ظل تكهنات بعدم حضوره، لكنْ هاتان المفاجأتان كانتا العنوان الرئيس لقمة جدة. وعملت المملكة العربية السعودية بكل الإمكانات السياسية على تحقيق حضور لافت وعلى أعلى المستويات من قادة الدول العربية؛ نظراً لأهمية المرحلة العربية وما تحتاجه من عمل دؤوب لإطفاء الحرائق المشتعلة في كل مكان من العالم العربي. ويرى مراقبون في أروقة الجامعة العربية أن عودة سورية لشغل مقعدها من شأنها أن تسهم في حل الأزمة، إلا أن الأمر يحتاج إلى مستويات مختلفة في التعاطي مع الأزمة السورية، ولعل البداية من حضور الرئيس الأسد. أما حضور الرئيس الأوكراني إلى القمة وكلمته التي يلقيها أمام القادة العرب، فتحمل معاني عديدة على المستوى الدولي، خصوصاً أن الجامعة العربية اتخذت موقفاً واضحاً من بداية الحرب الروسية الأوكرانية وهو الدعوة إلى وقف القتال وفتح باب الحوار بين البلدين. المراقبون يرون أن الدول العربية تريد أن يكون لها دور إيجابي في تخفيف التوتر الروسي الأوكراني، وربما يذهب البعض للقول إن الجامعة العربية تريد فعلاً أن تكون طرفاً لحل المشكلات بين روسيا وأوكرانيا. وبكل تأكيد بموجب العلاقات العربية الأوكرانية والروسية الأوكرانية، فإن للعرب القدرة على القيام بهذا الدور لحل المشكلة الأوكرانية، ولعل ظهور الدور العربي على المسرح الدولي في هذه الآونة يعكس حجم المتغيرات الدولية، وصعود قوى جديد من نوعها، خصوصاً أن الدول العربية الآن أصبحت في قلب العاصفة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي. وبالتالي، فإن المحاولات العربية لتصحيح المسار العربي، ستكون بداية العمل العربي ليس المشترك وإنما بداية الظهور العربي على المسرح الدولي، ومن المتوقع أن تكون قمة جدة هي البداية لمسار عربي جديد على المستوى العربي والدولي والإقليمي.