تؤكد المملكة مرة أخرى المؤكد، وتثبت مجدداً حرصها على تعضيد العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتصفير أزمات المنطقة؛ بإعلانها استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في سورية، استمرارا لنهج "الدبلوماسية السعودية الجديدة" والانفتاح على الجميع، وتصفير المشكلات، وإعادة هيكلة المنطقة"، استعداداً "للتعاون الاقتصادي والأمني الموسع، آخذة في الاعتبار القرار الصادر من وزراء خارجية الدول العربية القاضي باستئناف مشاركة الوفود السورية في اجتماعات جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.. تحرّكات دبلوماسية نشطة وفعالة تقودها السعودية بعد استئناف العلاقات السعودية الإيرانية وعودة الأجواء الايجابية في المحيط العربي والاقليمي، هذه الأجواء التي غيرت الخارطة السياسية في المنطقة وأنهت عقود من الأزمات منذ اتفاق الرياض وطهران وفتح مسار التسوية في اليمن وإعادة العلاقات السعودية السورية حيث تشهد المنطقة روح الألفة والتآلف خصوصاً مع اقتراب انعقاد قمة الدول العربية التي تستضيفها جدة في 19 مايو الحالي. وحرصت المملكة على تهيئة أجواء المقاربة والتقارب وإحداث انفراجات كبرى لكي تخرج القمة العربية بقرارات عملية تنفيذية تحقق أثراً بعيداً عن النمطية والتقليدية في القمم السابقة وتثبيت دعائم الاستقرار في المنطقة خصوصاً بعد عودة سورية رسمياً إلى الحضن العربي وشغلت مقعدها في مجلس الجامعة العربية بعد غياب دام أحد عشر عاماً في اجتماع استثنائي عربي. سورية تعود بقرار عربي فى ظل إعادة تموضع تشهدها وتحديات كبرى أيضاً في المنطقة مع وجود مؤشرات بولادة نظام عالمى جديد، يتطلب إعادة تموضع وتقارب واستلام زمام المبادرة واستقلالية القرار.. خصوصاً أن قراراعودة سورية للعرب جاء بالإجماع وهذا يجسد حتماً وجود إرادة عربية لوحدة القرار والمصير، وتدخل سورية مرحلة جديدة من الانفتاح والتعاون البنَّاء، وبمثابة مقدمة لانتهاء معاناة السوريين جرَّاء العقوبات، وإنهاء النزاعات والحروب لتعود سورية لمسار العمل العربي الجماعي والحفاظ على وحدة أراضي سورية وإخراج القوات والميليشيات من أراضيها واستقلالية القرار والسيادة وحل الأزمة من خلال الحل السلمى والمسار السياسي، بعيداً عن أي هيمنة من دول الجوار أو للقوى العظمى. لقد أثبتت المملكة أنها قادرة على التعامل مع الأزمات لأنها أدركت أن قراراتها لابد أن تكون بأيديها لا بأيد غيرها، وأن الاعتماد على الآخر دائماً ما يزيد أمد الصراع، ويزيد من الخلافات والانقسام. وتوقعت مصادر عربية نجاح لجنة الاتصال المكونة من عدة دول عربية متمثلة في المملكة ومصر والأردن والعراق ولبنان لمتابعة كل التبعات المتعلقة بالأزمة السورية مثل قضية التهريب التي تعانى منها عدة دول عربية، وقضية اللاجئين، ودعم كافة المسارات الخاصة بالأزمة السورية للوصول إلى حل أو تسوية للأزمة ونهايتها، قائمة بأبعادها الدولية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقال خبراء عرب ل"الرياض"، إنه من ضمن خارطة الطريق التي وضعت للحل في سورية والتي يتوجب على الأفرقاء المعنيين متابعتها، إطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي، بحسب ما أكدت سابقا أيضاً اجتماعات للدول المعنية عقدت في جدة وعمّان قبل أسبوع، وضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج في الحل، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن. يضاف إلى تلك النقاط أو الشروط، الالتزام بالحفاظ على سيادة سورية، ووحدة أراضيها، وتنفيذ الالتزامات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمّان. لقد تواكبت خطوات المقاربة السعودية والسورية مع تحولات مهمة تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية، فعلى الصعيد الدولي سحبت الحرب الروسية على أوكرانيا الاهتمام الدولي من المنطقة، وخففت سياسات الاستقطاب التي كان لها انعكاساتها على الصعيد الإقليمي. وبينما كانت الولاياتالمتحدة تُعيد تمركزها وتُوجِّه مواردها على الساحة الدولية بناءً على التنافس الاستراتيجي المتصاعد مع الصين، وتجييش أوروبا لمواجهة الخطر الروسي، فإنّ المنطقة باتت أكثر ميلًا إلى تهدئة التوترات، وعدم دخول لعبة المحاور الدولية، وإن كانت الصين قد نجحت في إحداث اختراق مهم في غياب الولاياتالمتحدة، وهو وساطتها الناجحة التي مهدت الطريق لعودة العلاقات السعودية-الإيرانية، الأمر الذي دفع بمزيد من التفاهمات في الملفات الإقليمية، بما في ذلك سورية. واتخذ وزراء الخارجية العرب بالتوافق قرار عودة سورية ودعوا دمشق إلى حضور القمة العربية المقبلة في الرياض. في 18 أبريل، التقى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الرئيس بشار الأسد خلال أول زيارة رسمية سعودية لدمشق منذ نحو 12 عاماً. والشهر الماضي، كما أجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد جولة على دول عربية، بينها مصر وتونس والأردن والجزائر والسعودية وكانت السعودية أعلنت في مارس أنها تجري مع سورية محادثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، بعد القطيعة التي بدأت بإغلاق السفارة في 2012 وزار الأسد في الآونة الأخيرة الإمارات وسلطنة عمان، علما بأنه لم يزر أي دول عربية أخرى منذ بداية النزاع في بلده. وخلال الأسابيع الماضية، شهدت الدبلوماسية السعودية حراكاً مكثفاً تجاه الملف السوري، حيث التقى وزير الخارجية السعودي مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن كما بحث وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مع مبعوثة فرنسا الخاصة إلى سورية، بريجيت كورمي، المستجدات على الساحة السورية. واكتسبت الاتصالات بين المسؤولين السعوديين والسوريين زخماً بعد اتفاق تاريخي في مارس 2023 بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات. وجُمدت عضوية سورية في الجامعة خلال اجتماع طارئ دعت له على مستوى وزراء الخارجية في نوفمبر 2011، بموافقة 18 دولة، واعترضت ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت وقتها. إنها مرحلة التموضع السعودي في مرحلة الانفراجات والمقاربات وإعادة هيكلية المنطقة وتعظيم التعاون الجيوسياسي والاقتصادي واستقلالية القرار.