قبل عام واحدٍ فقط كانت الحملات الانتخابية في أمريكا -الحليف والشريك التقليدي- على أشدها، وكانت السعودية ككل الحملات السابقة في عين العاصفة، ربما عاصفة أشد هذه المرة بسبب الخلاف والانشقاق العميق في أمريكا نفسها الذي انعكس على العلاقة مع المملكة، الإقليم في الشرق الأوسط يمر بسيولة عالية ولا تزال آثار «الخريف العربي» ماثلة للعيان، الفرس يعيثون في بعض عواصم العالم العربي من بغداد إلى دمشق إلى بيروت، مليئين بالغطرسة والتحدي، مستفيدين من فترة الفراغ السياسي في العالم. كان بعض الهاربين السعوديين وحلفائهم في بعض العواصم الغربية من الإخوان ومطلقات اليسار وبقايا البعث والقوميين، يبشرون بسنة صعبة على الرياض، كانوا فرحين جداً بقدوم الحاكم الجديد للبيت الأبيض، ليس لأنه سيحرر لهم القدس، ولا لأن واشنطن ستغرقهم بالتنمية والمساعدات، بل لأنهم تصوروه عدواً لدوداً للسعوديين، وسيقوم بما جبنوا عن تنفيذه في حق السعودية. كان بايدن وإدارته بداية العام يرسلون الرسائل الخشنة للعالم، وبدلاً من التعامل مع الرياض على قدر من المسؤولية والشراكة الممتدة لثمانين عاماً، فضلوا الانحياز بعيداً عنها، بقيت الرياض صامتة دون تنازلات ولا خضوع، تدير سياساتها بفعالية وتكتيك يخدم استراتيجية النفس الطويل والصمت المهيب. ضمن ظروف السياسة والبراغماتية المحمودة، استدارت الرياض في العام 2021 استدارة مدروسة ربما كانت حادة لكنها فعالة جداً، جاءت قمة العلا الخليجية كإشارة أولى والعلامة الكاملة في اختبار القدرات السياسية للرياض، نعم استطاعت «العلا» أن تغلق الأزمة وتعيد صياغة العلاقة الخليجية من جديد، فتحت الحدود مع الدوحة، وارتفع التنسيق مع الكويت، واستمرت الشراكة الاقتصادية مع الإمارات، والأهم أن الربع الخالي انشق وتحول لطريق استراتيجي مع سلطنة عُمان، مسقط التي كانت ترى العالم بعيون المحيط الهندي، لقد أصبحت جسر الشراكة الاقتصادية السعودية في جنوب الجزيرة العربية وفضاء لوجستياً مهماً. الخيارات السعودية أصبحت أكثر براغماتية، تتقدم بلا خشونة مقدمة المصالح على غيرها، أسعار النفط المتهاوية بدأت بالتعافي، ويشهد شهرنا هذا وصول البرميل لما يزيد على 80 دولاراً بعدما بيع بأقل من صفر دولار.. من يصدق؟! لقد كان أساتذة صناعة النفط في الرياض حاضرين على الوقت حازمين جداً وفعالين جداً، لدرجة رضوخ السوق للإرادة السعودية. بريطانيا الشريك القديم تتقدم خطوات لتكون حليفاً أساسياً للرياض في العالم، بعدما ثبت ضعف واشنطن واستسلامها وترددها أمام اليسار والليبراليين الجدد. باكستان ومصر جناحان مهمان في الاستراتيجية السعودية، في هذا الشهر من هذا العام تعزز الرياض من اقتصاد إسلام أباد والقاهرة لترسيخ تعافيهما. لبنان ذراع إيران في تصدير الكبتاجون وتعريض أمن السعودية للخطر والناقل الرسمي للأسلحة والمعرفة للحوثيين، جرب مرارة الصرامة السعودية، بعدما ظنت بيروت لوقت طويل أن ضعفها هو مصدر قوتها الذي تبتز به العالم، لقد جاء الوقت أن يتعلموا في لبنان أن مهارتهم في جمع المتناقضات في سلة واحدة أضحت مستحيلة، وأن التملق وإطلاق تصريحات الإخوة لم يعد يزرع الرمان في الرياض، بل يحصد القطيعة الدبلوماسية والاقتصادية. للوهلة الأولى كان شهر نوفمبر من العام الفائت ينذر بشتاء سياسي قارس في الإقليم، لكننا رأينا الرياض وهي تشعل جزءاً من مخزونها السياسي ليعم الدفء فضاءها العربي والدولي، إنه عام كامل توقع أو لنقل تمنى كثير من خصوم الرياض وأعدائها المكشوفين والمتغطين أن يكون عام أزمة عليها، ليتحول بسبب الدهاء السعودي والجسارة السعودية إلى عام إنجازات وحصاد.