الأصل في الإنسان أنه كائن حِسِّي، كائنٌ عملي أما العمق في الفهم النظري فنادر حتى بين المتعلمين حتى في الزمن الحاضر. الإنسان يستطيع التعامل حسيًّا وعمليًّا دون معرفة نظرية؛ فالناس -خلال القرون- قاموا بأعمال عظيمة دون معارف نظرية، لقد شيدوا القصور والقِباب، وأنشأوا الجسور، وابتكروا السفن، وشقوا القنوات، وأوجدوا الترع، وابتكروا النسيج، ولم يواجهوا مشكلة إلا وأوجدوا لها حلًّا عمليًّا بواسطة منهج التجربة والخطأ أو بواسطة المران والممارسة. النجار بمهاراته الفائقة ينجز العمل بمنتهى الدقة، لكنه لا يستطيع أن يشرح لك كيفيات عمله ولا أسباب اتباع هذه الكيفيات. ميكانيكي السيارات الأمي في الوقت الحاضر يعرف خلل السيارة بمجرد أن يسمع صوت المكينة. حتى في العلم بقي العالم يمارس تطبيقات علم الفيزياء دون عوائق طبقًا لنظريات نيوتن ثم جاء آينشتاين بنظرية النسبية فعدلت الرؤية للكون تعديلا جذريا واستمر الأداء العملي ولكن مجالاته تطورت بفتوحات النسبية. ثم جاءت نظرية ميكانيكا الكم بواسطة شرودنجر ونيلز بور وهايزنبرغ فعدلت الرؤية واتسع نطاق التطبيقات. ثم جاءت نظرية المعلومات بواسطة كلود شانون فأحدثت دمجًا لمختلف النظريات الفيزيائية. نظرية المعلومات كشفتْ أن كل شيء في الكون يعتمد على المعلومات: تواصُلًا وتبادُلًا ومعالجةً. في كتاب (فك شفرة الكون) يقول تشالز سايف: «المعلومات تمر جيئةً وذهابًا والبيئة ستعالجها؛ الكون ككل يتصرف مثل معالج ضخم للمعلومات، إنه يتصرف ككومبيوتر». ويضيف: «باستخدام أدوات نظرية المعلومات سيبدأ العلماء في الحصول على إجابات لكل الأسئلة». ويضيف: «المعلومات موجودة في كل شيء، وإذا تم حل شفرتها بطريقة صحيحة فإنها ستكون بمثابة مفتاح لأسرار الكون». كان الناس خلال القرون وقبل العلوم يمارسون أعمالاً دقيقة وتتطلب الكثير من المهارة دون أية معارف نظرية وحتى في هذا العصر، فإن الممارسين يكتسبون المهارات عن طريق المران والتدريب والممارسة دون حتى أن يتذكروا الأجزاء النظرية المتعلقة بموضوع الأداء، فالأصل في الإنسان أنه كائن حسي عملي، أما العمق النظري فإنه في غاية الندرة.