الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    انطلاق النسخة الثانية من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    الأهلي والنصر يواصلان التألق آسيوياً    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمراً دولياً يحصلون على الإقامة المميزة    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    في خامس جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة تجمع البايرن وباريس.. ومانشستر سيتي لاستعادة الثقة    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعود الى سلالة قرود قبل 4.5 مليون سنة . اكتشاف عظام وأسنان في عفار يحيي الجدل في أصل الانسان

* علماء المسلمين : الانسان من سلالة آدم أبي البشر ولا علاقة له بسللة القردة
الكلام على أصول الانسان القديم أمر شائك فصله الشرع وبينته الاديان من دون لبس او غموض. غير ان بعض العلماء لا يزال يبحث عن أدلة تبرر ربط تلك الاصول بما يسمونه الانسان - القرد. ويغوص هؤلاء في بحر من التناقضات والنظريات التي تفتقر الى الأدلة والبراهين المتكاملة.
وأبرزت وسائل الاعلام وبعض المجلات العلمية المرموقة اخيراً انباء اكتشاف العلماء تيم وايت من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجين سووا من جامعة طوكيو، وبرهاني أصفاو من مختبر ابحاث علم اصول الانسان وتطوره التابع للحكومة الاثيوبية لبقايا عظام وأسنان متحجرة في منطقة عفار الاثيوبية ، تعود الى اقرب سلالة من القرود التي ربما سبقت ظهور الانسان العصري وعاشت قبل 4.5 مليون سنة. اي ما يزيد على مليون سنة عن تاريخ ظهور مخلوق استرالوبيثيكوس أفارنسيس الذي عصر على متحجرات له في منطقة عفار ايضاً عام 1973 وأطلق عليه اسم "لوسي".
وأشار الدكتور كريس سترينغر، احد ابرز المتخصصين في دراسة علم الانسان وأصوله في متحف التاريخ الصبيعي في لندن، الى صعوب تحدد اصل تلك المتحجرات التي اطلق عليها اسم "استرالوبيثيكوس راميدوس" نظراً الى اقتصادها على بعض الانياب والأسنان والفكوك وأجزاء من عظام الأيدي، وافتقارها الى بقايا عظام الحوض والقدم والركبة التي تبرهن عادة هل يسير هذا المخلوق منتصب القامة ويعيش فوق الاشجار.
وأكر الدكتور روبرت فولي، مستشار التحرير العلمي لكتاب "الانسان القرد" الذي صدر هذا العام والطبيب في كلية كينغز كولدج ومدير مختبر داكورث لعلم اصول الانسان في جامعة كامبريدج البريطانية الشهيرة، في اتصال اجرته معه "الوسط"، ان الاكتشاف الأخير، على رغم أهميته. ما زال يفتقر الى الأدلة التي تثبت هل كان مخلوق "استرالوبيثيكوس راميدوس" قادراً على المشي منتصب القامة، وهل كانت جمجمته شبيهة بجمجمة الانسان او القرد.
وانتقد الدكتور فولي صراع العلماء على اكتشاف من هو اقدم ليتفوق بعضهم على بعض في الشهرة والأهمية. وأشار الى ان السعي الى اثبات وجود متحجرات لأقدم مخلوق شبيه بالانسان قد يدفع بعضهم الى ابتداع نظريات تتوافق والاكتشافات التي يعثرون عليها.
نظريات وافتراضات وأدلة ناقصة
اضافة الى ما ذكره الدكتور سترينغر والدكتور فولي، فإن من الصعب علمياً تقويم اية علاقة بين سلاسة "استرالوبيثيكوس راميدوس" التي اكتشفت حديثاً وسلالة "استرالوبيثيكوس افارنسيس" او غيرها من السلالات التي تلتها في مسار التطور البشري المزعوم، ما لم يعثر على مزيد من عظام الجمجمة والأطراف السفلى المتحجرة لتلك السلالة. ولا يملك العلماء حاليا سوى نظريات وافتراضات مفادها ان سلالة "استرالوبيثيكوس راميدوس" هي السلف لسلالة "استرالوبيثيكوس افارنسيس"، وان هذه السلالة كانت آخر سلف لسلالة "بارانثروبوس بويسي" ذات الفك الغليظ وسلالات اخرى قادت الى سلالة الانسان الحالي.
اما الافتراض الآخر فهو ان سلالة "استرالوبيثيكوس راميدوس" كانت اخر سلالة مشتركة للسلالة ذات الفك الغليظ وسلالة الانسان الحالي. وهذا يعني ان سلالة "استرالوبيثيكوس أفارنسيس" لا يمكن اعتبارها سلفا للانسان.
وتشير النظرية الثالثة التي قدمها العالم برنارد وود من جامعة ليفربول البريطانية، الى ان سلالة استرالوبيثيكوس راميدوس" كانت سلفا لسلالة الفك الغليظ فقط. ما يعني ان سلالة استرالوبيثيكوس افارنسيس" قد تكون السلف المباشر للانسان.
وكان العالم أوين لفجوي، الاختصاصي في التشريح في جامعة كنت في ولاية اوهايو الاميركية، استنتج من خلال دراسته لعظام الساق والقدم الخاصة بمخلوق "لوسي" التابع لسلالة "استرالوبيثيكوس افارنسيس"، ان قدرة الانسان على السير منتصباً كانت متأصلة قبل مليوني عام على ظهور سلالة "لوسي"، وان اكتشاف الدكتور دونالد جوهانسون عام 1973 لمتحجرات من عظام الركبة التابعة لمخلوق "لوسي" في منطقة عفار الاثيوبية انما يؤكد ذلك. بينما يدل غياب اصابع القدم القادرة على الامساك عن عجز تلك المخلوقات عن تسلق الاشجار.
ويقول العالم برنارد وود ان قياسات اطراف "لوسي" وهيكله العظمي تدل علي ان هذه السلالة لم تكن تعيش فوق الاشجار كلياً ولم تكن منتصبة القامة تماماً، وانها وقريباتها ربما كانت تأكل وتتحرك كالقردة ولكن بتركيز اكبر على استخدام سيقانهم خلال النهار واللجوء الى الكهوف او الاشجار ليلاً. وترتكز وجهة النظر هذه على طول سواعد "لوسي" وانحناء يديه.
من جهة اخرى، يؤكد العالم بيل كيمبل، مدير قسم المتحجرات في معهد اصول الانسان في بيركلي في كاليفورنيا، ان المتحجرات المتوافرة حتى الآن لا تكفي للاجابة عن كل الاسئلة والاستفسارات المطروحة. وانه على رغم قناعته بأن "لوسي" كان قادراً على السير منتصباً، الا انه ليس واثقاً من قدرته انذاك على تسلق الاشجار هرباً من الحيوانات المفترسة او طلباً للنوم. ومن الفوارق الجسدية الواضحة بين هذا المخلوق والانسان العصري طول اليدين وقصر الساقين وصغر حجم الدماغ واحديداب الكتفين وانحناء الأصابع.
واذا كان مخلوق "لوسي" لا يشبه الانسان ويختلف عنه في كل ما ذكر، فكيف يمكن لمخلوق "استرالوبيثيكوس راميدس" الذي سبق "لوسي" ان يشبه الانسان؟
من هنا يرى الدكتور سترينغر ضرورة عدم اعتبار كل ما نجده من اثار ومتحجرات تاريخية عائداً الى اجدادنا الأوائل. وان المتحجرات التي تشبه الانسان الحالي الى حد ما لا تعني في الضرورة انها تابعة الى اسلافنا.
ونبه الدكتور فولي الى المفهوم الخاطئ لدى كثير من العلماء والمنقبين عن الآثار والمتحجرات التابعة لأصل الانسان، حيث يتم التركيز على اكتشاف ما هو اقدم للمفاخرة، وأضاف في حديثه الى "الوسط" ان عملية التطور ليست عملية بسيطة او متكاملة، فكلما نجح العلماء في حل مشكلة ما، تظهر مشكلة اخرى لأن التطور البشير هي قصة تطور امر واقع لا محالة فالمخلوقات الحية تتطور من جيل الى اخر باستمرار. وربما فسر ذلك تحول ملامح الانسان القديم الى الملامح التي يتسم بها الانسان العصري الذي لم يعد في حاجة الي فكين قويين او الى عضلات وجه متينة كالتي كان الانسان القديم يحتاج اليها لمضغ النباتات اليابسة واللحوم النيئة. فوجه الانسان الحالي يعكس نوع الطعام الذي نتناوله. وربما ادي ذلك الى تقلص حجم الفك من دون تغير في عدد الاسنان. ما يفسر الاوجاع الصادرة عن نمو أضراس العقل في بقعة ضيقة من الفم ولجوء الانسان الحالي الى خلعها.
مبررات نقص الأدلة
ويعتقد علماء بأن غالبية العظام الدالة على أصول الانسان القديم قد تكون تحطمت واندثرت قبل تحولها الى اجزاء من المتحجرات. وان معظم المتحجرات اللازمة لاكتمال الصورة التاريخية لأصل الانسان قد لا يعثر عليه ابداً للأسباب والمبررات الآتية:
1 - تعرض الكائنات الشبيهة بالانسان للقتل.
2 - تبعثر الجثث التي تفترسها الحيوانات وانجراف رؤوسها مع التيار النهري.
3 - تسبب الفيضانات السنوية في طمر بعض العظام تحت طبقات من الطين والاتربة، وانسحاق العظام الاخرى بفعل وطء الأقدام والتغيرات المناخية. اذ يؤدي طمر العظام الى استبدال مادتها البروتينية بالمعادن الموجودة في المياه المحيطة بها حيث تبدأ عملية تحجرها.
4 - بروز الترسبات التي طمرت بها الجماجم والعظام بعد ملايين السنين بفعل العوامل الجيولوجية.
5 - تعرض الترسبات للتآكل بفعل الرياح والأمطار، وظهور الجماجم لفترة وجيزة تعود بعدها الى الاختفاء تحت سطح الارض نتيجة للجرفان المائي والانحدارات خلال عام او عامين، ما لم يكتشفها بسرعة المتخصصون والمنقبون عن الآثار والمتحجرات.
التشابه الوراثي يدعم رأي الشرع
ان الأبحاث الرائدة التي قامت بها العالمة جين غودال من مركز ابحاث غومب ستريم في تانزانيا عام 1972، أظهرت وجود تشابه كبير جداً في التركيب الوراثي للانسان وقرد الشمبانزي يصل الى 98 في المئة. بينما لا تتعدى نسبة الاختلاف في تركيبة الجينات المورثات بينهما 2 في المئة. ويعتقد العلماء بأن هذه النسبة الضيئلة جداً ربما كانت مسؤولة عن ضخامة حجم دماغ الانسان وقدرته على السير منتصب القامة، وعن محدودية نمو الشعر او انعدام ظهوره فوق الجلد. وهذا ما يؤكد في صورة علمية واضحة ان الانسان قد خصه الخالق بصفات وراثية وجينات فريدة لا يمكن ايجادها لدى غيره من المخلوقات او الكائنات الحية. فالانسان قادر على الكلام واستيعاب المعلومات وكسب الخبرات العقلية واليدوية على نحو تعجز عنه سائر المخلوقات. وليس بغريب ان يكتشف العلماء والأطباء جينات معينة مسؤولة عن امراض وراثية خطيرة وأرى مستعصية يمكن تصحيحها لعلاج المرضى قبل ان يستفحل فيهم المرض.
وكانت العالمة الاميركية مارلين روفيلو المتخصصة في علم الوراثة في جامعة هارفارد اعلنت ان ابحاثها التي اجريت على المادة الوراثية المستخرجة من متحجرات منسوبة الى اصل الانسان القديم والتي يعود تاريخها الى ما بين 200 و300 ألف سنة، لم تحمل اية اشارات شبيهة بتلك الموجودة عند الانسان العصري. وهذا يدل على ان المتحجرات التي عثر عليها لا يمكن نسبتها الى اسلاف الانسان، لأن الواقع العلمي يحتم انتقال بعض المؤشرات الوراثية من جيل الى آخر مهما طالت الفترة الزمنية الفاصلة بينهما.
تسميات خاصة
عمد بعد العلماء المتخصصين في دراسة تاريخ اصل الانسان الى اطلاق تسميات خاصة على عظام المخلوقات التي سبق لهم ان اكتشفوها. وأدرجت تلك التسميات في سجلات التاريخ الطبيعي للانسان وجاء تسلسلها كالآتي:
1 - "جافا مان" او انسان جاوا الذي اكتشفه يوجين دوبوا عام 1893.
2 - "تونغ بايبي" او طفل تونغ الذي اكتشفه رايموند دارت عام 1924.
3 - "مسيزبلس" أو السيدة بلس التي اكتشفها روبرت بروم عام 1947.
4 - "بيلتداون مان" او انسان بيلتداون الذي اكتشفه السير آرثر كيث عام 1953.
5 - "هوموهابيليس" او الانسان الذي يستخدم يديه والذي اكتشفه لويس ليكي عام 1960.
6 - "نياندرتال مان" او انسان نياندرتال الذي اكتشفه ريتشارد ليكي عام 1972.
7 - "لوسي" او الفتاة لوسي التي اكتشفها دونالد جوهانسون عام 1973.
غير ان كل الآثار والمتحجرات التي عثر عليها لم تكن متكاملة تكاملاً يؤكد اصولها او يربطها مباشرة بالانسان او الانسان - القرد حسب زعمهم فاختلاف الاسماء واختلاف العلماء وافتقارهم الى الادلة القاطعة ترسخ الايمان بأصل الانسان كما ورد جلياً في الكتب السماوية.
تضارب الأدلة والنظريات
وعلى رغم استمرار العلماء في التنقيب والبحث عن ادلة يدعمون بها نظرياتهم المبعثرة في اصول الانسان وتطور نشأته، يظهر جلياً ان الاكتشافات الحديثة انما تزيد الأمر تعقيداً وتبرز التناقضات والنواقص في شكل اوسع.
وكان الباحثون اكتشفوا اخيراً مصدراً جديداً من شأنه ان يساعد في الوصول الى الاجابة عن السؤال الذي شغل العلماء طويلاً وهو هل كان "هومو إركتوس"، الذي عاش قبل مليون ونصف مليون عام، أقدم كائن منتصب القامة ام ان "استرالوبيثيكوس" سبقه الى ذلك بملايين السنين؟
والمصدر هو حجرة الاذن الداخلية التي تضم الأجهزة المساعدة للانسان في المحافظة على توازنه اثناء الوقوف والحركة، اذ تمكن العلماء من الحصول على صور مجسمة ثلاثية الأبعاد لهذه الحجرة بواسطة جهاز تصوير طبقي عالي الدقة.
وكان العالم التشريح الهولندي فرد سبور الذي يعمل في جامعة لندن، طور هذه الطريقة التي استخدمها مع المتخصص في التصوير الشعاعي فرانز رونيغيلد من مستشفى جامعة اوتريخت الهولندية، منذ سنواته الجامعية الاولى لتصوير حجرات الأذن الداخلية في متحجرات "هومينيد" ولدى الانسان القديم والمعاصر. وتمخضت تجارب قاما بها، بمساعدة عالم المتحجرات في جامعة ليفربول برنارد وود، عن نتائج تلقي مزيداً من الضوء على اقدم كائن منتصب القامة.
فقد توصل سبور وزميلاه بعد تحليل ثلاث جماجم لكائن "هومو اريكتوس" الى ان بنية الاذن الداخلية لديه ولدى الانسان متشابهة. وعززت الصور الطبقية التي حصلوا عليها رأي العلماء الذين يعتقدون بأن "هومو إركتوس" كان يمشي ويركض على طرفيه السفليين وحدهما.
أما كائن "استرالوبيثيكوس" الذي ظهر قبل فترة تتروح بين مليونين وأربعة ملايين عام، فكانت له ذراعان طويلتان وكتفان تتميزان ببنيتهما القوية . ويرى مؤيدو وجهة النظر القائلة انه تمتع بالقدرة التامة على السير، ان هذا الطول والمتانة هما صفات ثانوية ورثها "استرالوبيثيكوس" عن أسلافه.
غير ان الصور الطبقية التي اجراها سبور لأربع عينات مأخوذة من "استرالوبيثيكوس" اعطت نتائج تتعارض مع وجهة النظر هذه. اذ كانت أذنه الداخلية شبيهة بالأذن الداخلية للقرود الضخمة مثل الشيمبانزي والغوريلا، ما يعني، في رأيه ورأي زميليه، ان هذا الكائن كان ميالاً الى تسلق الأشجار على رغم قدرته على الوقوف على طرفيه السفليين.
وأثنى العالم كيفن هانت الذي يعمل في جامعة انديانا الاميركية، على أهمية تجارب سبور، الا انه وجد انها تطرح مشكلة جديدة. فآثار الأقدام التي عثرت عليها ماري ليكي في افريقيا يعود تاريخها الى 3.6 مليون عام ما يؤكد ان "استرالوبيثيكوس" ليس صاحبها باعتبارها أقل عمراً منه.
وكان الاعتقاد السائد حتى الماضي القريب ان "هومو إركتوس" الكائن المنتصب القامة حقق انجازين مهمين خلال حياته الطويلة على الارض، اذ ابتكر اولاً قبل حوالى 1.5 مليون سنة طريقة لصنع هراوات "أشيولين" ذات الجزء الأمامي المفلطح على شكل دمعة لها مقبض. ثم خرج بعد نصف مليون سنة من وطنه الافريقي مسلحاً بهراوته الغليظة ليؤسس مركزاً له في عدد من مناطق العالم القديم.
الا ان البحوث التي اجريت في السنة الفائتة بينت ان عمر مجموعة من متحجرات "هومو إركتوس" التي عثر عليها في جنوب شرقي آسيا يبلغ حوالى مليوني سنة وليس سنة فقط. ويدل هذا الى ان الكائن المنتصب القامة خرج من افريقيا في مرحلة سابقة للتاريخ التقريبي الذي اتفق عليه العلماء من قبل. كما كشفت تنقيبات قرب العاصمة الجورجية تبيليسي عام 1991 عن عظم فكي يرجح ان عمره لا يقل عن 1.8 مليون سنة. وولد اكتشافه مزيداً من البلبلة في أوساط الباحثين باعتباره يشبه العظم الفكي لجمجمة متحجرة ل"هومو إركتوس" عثر عليها في افريقيا، ما يعني ان عمر الأخير أكبر مما كان متوقعاً.
وبطبيعة الحال، ليست هذه الاكتشافات السبب الأول ولا الأخير في تسليط الضوء على الفوضى والتناقضات العلمية التي تشيع بين نظريات اصل انتصاب قامة الانسان. وهذا التخبط دفع كارل سويشر، من مركز التاريخ الجيولوجي في بيركلي الاميركية، وهو العالم البارز في مجال اعادة تأريخ "هومو إركتوس" الذي عثر على اثاره المتحجرة خارج افريقيا، الى القول "ان الفوضى تعم حالياً كل شيء" يتعلق بالموضوع.
الحلقة المفقودة
وكانت الفوضى بدأت قبل نحو مئة عام في جزيرة جاوا الاستوائية، حيث وجد استاذ التشريح الهولندي يوجين دوبوا عام 1891 ما سماه "الحلقة المفقودة" بين القرد والانسان. وهذا "الكنز"، الذي كان مدفوناً على ضفاف نهر سولو وسط الجزيرة، هي عبارة عن سقف جمجمة غليظة في صورة غريبة وذات جسر ضخم للحاجبين. وما هي الا سنة واحدة حتى اكتشف في منطقة قريبة عظم فخذ توقع دوبوا انه يعود الى صاحب الجمجمة ذاته. وبسبب الشبه بين هذا العظم وعظم الفخد لدى الانسان المعاصر افترض الاستاذ الهولندي ان ذلك الكائن المنقرض كان منتصب القامة وقادراً على السير. وهذا ما دفعه الى تسميته "بيثيكانثروبوس إركتوس" القرد - الانسان المنتصب القامة.
ومع ان اكتشاف "انسان جاوا" عاد على صاحبه بشهرة لا بأس بها، فهو بدا هشاً يفتقر الى الدقة والقدرة على الاقناع في رأي علماء كثيرين اعتقدوا ان هذا القرد - الانسان المزعوم هو في حقيقة الأمر اما قرداً واما انساناً.
وفيما يعتقد بعض علماء الانثروبولوجيا بأن متحجرات "إركتوس" الافريقية والآسيوية تمثل الكائن القديم ذاته، يقول آخرون ان هذه المتحجرات تعود الى كائنين مختلفين احدهما عاش في افريقيا والثاني استوطن آسيا. اذ يشير ايان تاتيرسال المتخصص في علم اصل الانسان والعامل في المتحف الاميركي للتاريخ الطبيعي في نيويورك، الى ان جمجمة الكائن الافريقي تختلف عن جمجمة نظيره الآسيوي من حيث افتقارها الى مواصفات تتميز بصلابة العظام وكثافتها ما يجعل كل منهما جديراً باسم منفصل: "اركتوس" الافريقي او "هومو ارغاستر" و"اركتوسش الآسيوي. ويرى تاتيرسال ان التمييز بين صنف وآخر من الكائنات المنقرضة يجب ان يتم عن طريق مقارنة يجب ان يتم عن طريق مقارنة العظام المتحجرة وتلمس الفروق والتشابه بينها، وليس اعتماداً على اعمار المتحجرات التي تكون تقديرية في معظم الأحيان.
الان هذه النظرية تثير تساؤلات عدة يتعلق اهمها باسم ذلك الكائن الأصلي الذي خرج من افريقيا اول الامر. فقد يكون "هومو إرغاستر" هو الذي هجر وطنه الأول وتحول في ما بعد الى "إركتوس" في آسيا. او ربما تطور "إركتوس" عن مخلوق آخر، لم يكتشف بعد، قطن آسيا في الوقت الذي تطور خلاله صنف "إرغاستر" في القارة الأصلية.
واللافت ان المنقبين لم يعثروا على ادوات "اشيولين" البدائية في الشرق الأقصى مع ان متحجرات "هومو ايركتوس" تتوافر هناك بكثرة. وهذا ليس محيراً فحسب، بل يتناقض مع الاعتقاد القديم ان هذه الادوات التي ظهرت اولاً في افريقيا قبل 1.5 مليون عام وبعد ذلك بوقت قصير في الشرق الأوسط، غيرت حياة الانسان الأصلي وحفزته على الهجرة من وطنه الافريقي. وبغض النظر عن المخلوق الذي غادر افريقيا اولاً، يبقى السؤال عن سبب هذه الهجرة من دون اجابة شافية ودقيقة.
وبينما لم يحسم الخلاف بين القائلين ان الانسان الاول عاش في افريقيا وأولئك الذين يرجحون انه وجد في آسيا، يصر العالم الروسي يوري موشانوف على ان اصل الانسان كان في المناطق الباردة الواقعة شمال آسيا وليس في المناطق الاستوائية. فتنقيباته على مدى عشر سنين أسفرت عن "دليل حاسم" في رأيه، مع انه لم يعثر على متحجرات لكائن "هومينيد" في سيبيريا. وهذا الدليل المزعوم هو عبارة عن مجموعة من الاحجار المنحوتة بطريقة بدائية تجعلها شبيهة بأدوات استخدمها ذلك الكائن الذي عاش في سيبيريا قبل مليونين او ثلاثة ملايين سنة علي حد زعم موشانوف.
سبب الهجرة من افريقيا
ولكن ما هو سبب الهجرة في افريقيا، اذا سلمنا انها حصلت فعلاً يقول بعض العلماء ان ما دفع الكائن الاول الي النزوح عن وطنه الاصلي لم يكن التصور الذي خضعت له طريقة حياته بعد اكتشاف الادوات البدائية، وانما كان تطوره الفيزيائي والجسدي. ويعتقد العالم المتخصص في دراسة اصل الانسان برنارد وود من جامعة ليفربول، مثلاً ان المخلوق المسمى "هومو هابيليس" كان ذا جسد صغير واطراف تشبه اطراف القرد، بخلاف "اركتوس" الافريقي الذي امتاز ببنيته القوية وساقيه الطويلتين، اضافة الى صفات عدة تجعله شديد الشبه بالانسان. ويرجح ان سبب هجرته كان البحث عن غذاء متنوع يسد حاجات جسده الفيزيولوجية التي لم تعد افريقيا توفرها له.
الا ان هذا ليس التفسير الوحيد لسبب نزوح المخلوق الاول عن افريقيا، فهناك آراء متناقضة. وتعبر الفرضيتان الآتيتان عن اهم وجهات النظر هذه فالأولى تقول ان "هومو سابيانز" تصور من "اركتوس" في افريقيا ثم انتشر قبل حوالى مئة الف عام ليحل محل السكان الأكثر قدماً الذين قطنوا ما يسمى "يوراسيا". اما الفرضية الاخرى فتقول ان الانسان الحالي تطور من مخلوق "اركتوس" في اجزاء عدة من العالم القديم في فترة واحدة تقريباً ومن دون ان يتأثر ابناء احدى المناطق بما كان يجري في منطقة ثانية.
ويؤكد انصار هذه النظرية ان الادلة الداعمة لصحة رأيهم يمكن العثور عليها في استراليا التي يعتقد عموماً انها صارت مأهولة بالسكان قبل حوالي 50 الف عام، اذ اتخذتها جماعات وافدة من اندونيسيا وطناً في تلك الفترة. لكن خصومهم يسوقون حججاً كثيرة لاثبات خطأ هذا التفسير، من ابرزها بقاء سكان افريقيا واسيا الأوائل منفصلين بعضهم عن بعض عصوراً طويلة.
وفي هذا السياق يقول علماء أجروا بحوثاً حديثة ان عمر متجرات مخلوق "اركتوس" التي عثرو عليها في موقع ناندونغ في جزيرة جاوا، لا يزيد على مئة الف عام ما يعني ان هذا الكائن عاش في تلك الجزيرة في وقت كان الانسان "الحديث" تماماً يعيش في افريقيا والشرق الاوسط.
رأي الشرع
واذا كان هذه هو كلام العلم فما رأي الشرع في أصل الانسان؟
يؤكد كبار علماء المسلمين ان قول بعض علماء الانثروبولوجيا ان الجماجم التي عثر عليها في جبال اثيوبيا تمثل دليلاً جديداً الى ان الانسان ما هو الا مرحلة متطورة من اصل القردة، مجرد اجتهادات لا اساس لها من الصحة ويشددون على ان اصل بني البشر هو ادم ابو الانبياء الذي كان بشراً او خرجت منه حواء ثم تزاوجا فكانت منهما ذرية لبني الانسان. ويذكرون بآيات القرآن الكريم المتعددة التي تروي مراحل خلق الانسان وانتماءه الى بني البشر وانه لا علاقة له بفصائل الحيوانات الاخري كالقردة او غيرها.
وعن رأي الشريعة في من يدعون ان الانسان من اصل القرد قال مفتي مصر الدكتور سيد طنطاوي ل"الوسط": ان القرآن الكريم صريح كل الصراحة في تفصيله لخلق الانسان في اطواره المتعددة ومن ذلك قوله عز وجل: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين".
ويضيف الدكتور طنطاوي: "الآيات الكريمة تبين لنا بياناً واضحاً مراحل خلق الانسان والمراد بالانسان في قوله عز وجل ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين آدم عليه السلام. والضمير في قوله ثم جعلناه نطفة يعود الى ذريته التي تناسلت عنه. وشبيه بهذه الايات قوله تعالى في سورة المرسلات: "ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين الى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون". فهذه الآيات الكريمة ايضاً صريحة كل الصراحة في ان الانسان قد أوجده الله تعالي بقدرته من الماء الذي يصب من الرجل في رحم المرأة.
وفي سورة الحج ما يقر هذه الحقيقة في قوله تعالى: "يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً".
فهذه الآيات الكريمة واضحة كل الوضوح في ان جميع البشر من آدم عليه السلام وقد بين الله لنا ان قد اوجده بقدرته من طين كما بين لنا القرآن الكريم في اكثر من آية ان الناس جميعاً وجدوا من أب واحد وأم واحدة كما في قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". والخلاصة، كما يرى مفتي مصر، ان الذين يقولون بأن هناك علاقة بين الانسان وهذه الكائنات الحية كالقرود يجهلون ما اقره القرآن الكريم بالنسبة الى أصل الانسان.
وقال الداعية الاسلامي الشيخ محمد الغزالي: ان الانسان كائن مستقل والقول بأنه من سلالة القرد خرافة لا صلة لها بالعلم الطبيعي. حتى ان داروين الذي كان اول من اعتقد بهذه النظرية اعترف بأن هناك حلقات مفقودة لكي يثبت ان الانسان من سلالة القردة. واذا كانت الحقائق العلمية تؤكد ان هناك تجانساً بين الخيل والحمير ويمكن ان يكون من نسلهما البغل كما يمكن وجد تناسل بين الذئاب والكلاب ولكن لا يمكن من الناحية العلمية ان يكون هناك اتصال او تجانس بين القردة وبني الانسان او حتى تخيل وجود تناسل بين قرد وانسان لأنه ليس هناك اي تشابه بين الاثنين هذا من الناحية العلمية، اما من الناحية الدينية، فإن من الثابت ان الانسان ينتمي الى آدم أبي البشر، وآدم خلق من سلالة من طين، اي من تراب وماء.
وعن رأي الشرع ايضاً في الموضوع، قال الدكتور أحمد عمر هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر ورئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري: "ان هذه نظرية خاطئة ولا تمثل اي وجه من الحقيقة لسبب بسيط هو ان اول الخليفة لم يكن الا انساناً سوياً وهو آدم عليه السلام ابو البشر وأول خلق الله. كما ان الله خلق حواء من ادم ومنهما معاً تناسل الخلق الى يومنا هذا والى ان يرث الله الارض ومن عليها.
والقول بنظرية النشوء والارتقاء وتكرار الحديث عنها من حين الى اخر قول عار عن الحقيقة لأن اى نظرية من النظريات لا بد ان تكون لها دلالاتها التي تحمل معني صدقها، ولا بد ان تكون هناك وثائق تثبت صحة ذلك ولا توجد في الوجود وثيقة اقوى من القرآن الكريم الذي أنزل من عند رب العالمين على أطهر خلق الله وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي أكد على ان اول مخلوقات الله آدم وحواء ومنهما تناسل الخلق فأين كانت وسيلة الحيوان او القرود في أطوار الانسان.
وأضاف الدكتور هاشم: "ان اطوار خلق الانسان مذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين". والأطوار في خلق الانسان هو في بطن أمه من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظام الى كساء العظام باللحم الى ان اصبح بشراً سوياً.
والأحاديث النبوية الصحيحة تثبت ان آدم هو اول خلق الله وما دام ذلك الأمر ثابت في القرآن والسنة على هذا النحو فلا نملك الا التصديق بما ورد فيهما لأنهما اعظم ما يواجه نظرياتهم. كما ان الادعاء بأن الانسان اصله قرد بتنافى مع تكريم الله لبني آدم في قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلاً".
هذا من جهة الأدلة النصية في الكتاب والسنة واذا رجعنا الى الأدلة العقلية والتاريخية لا نجد عبر عصور التاريخ حقبة من الحقبات قالوا فيها ان فصيلة القرود كانت تشكل حياة انسانية ولم يرد ذلك في أي رواية صادقة او في اي كتاب سماوي. اذاً من اين لهم بهذه النظرية التي تتنافى مع العقل والنقل"؟
كلام أهل العلم العرب
وسألت "الوسط" الدكتور عبدالصبور شاهين الاستاذ في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة عن رأيه في الجماجم التي عثر عليها في جبال اثيوبيا ويرى بعض الباحثين انها تشير الى ان الانسان ينتمي الى سلالة القرود، فأجاب: "ان هذه البقايا التي عثروا عليها لا تثبت النظرية التي يقولون بها فهي ولا شك بقايا كاد التراب ان يقضي عليها ولا يمكن عقلاً ان يبقي التراب على ما يتصورون انه عناصر التشابه بين الانسان وكائنات اخرى مثل القرود. وقد مضى زمن على رفض هذه النظرية التي قال بها من قبل تشارلز داروين وتنازل دعاة البيولوجيا الحديثة عنها بعد ذلك لخطأها وثبوت النظرية التي تقول ان لا شراكة بين الانسان وأي حيوان في السلالة فقد خلق الله الانسان منذ الأزل انساناً كما خلق الحمار حماراً والقرد قرداً، وليس هنالك ما يدعونا الى القول بخلاف هذا حتى ولو وجدوا في جبال اثيوبيا الف هيكل وهيكل. فإن اعتمادهم لا يمكن ان يكون على معطيات الرؤية المادية بل على مقومات التأويل والتفسير وهذان لا يثبتان قضية ولا يؤسسان نظرية".
وقال الدكتور سيد رزق الطويل عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر: "ان نظرية داروين وغيرها من النظريات التي تحاول الادعاء بأن الانسان من اصل قرد لم تتوافر لها الأدلة على صحتها حتى الآن، وهي لا تزال مجرد افتراض. ونحن اذا اردنا ان نرد على هؤلاء فإننا نؤكد ان منطق الدين السماوي الذي لا يزال يدين به اكثر البشر على الارض يؤكد حقيقة اخرى هي ان الانسان خلقه الله تبارك وتعالى من أصل انسان كامل الخلقة في احسن تقويم يؤدي رسالة مهمة على الأرض لكي يقوم بمهمة الخلافة وتعمير الأرض. واذا أقررنا ما قال به داروين فاننا لا بد ان نعترف بأن الانسان ليس اهلاً للخلافة وان الانسان لم يسخر له ما في الأرض بدليل انه تطور من حيوان من الحيوانات.
والنقطة المهمة هي ما النتيجة التي تعود على الانسان من وراء اشاعة هذه الخرافة؟ هل يريدون ان يقولوا للناس انهم من سلالة قرود لقلة القرود على الأرض ام ان البشر وصلوا الى درجة من الحقارة والهوان ولا يستحقون ان يكونوا من سلالة بني الانسان وان ينتموا الى عالم الحيوان؟
أرى ان هذه النظرية لم تقم عليها أدلة علمية قوية راسخة وهي نوع من الاحساس النفسي عند من قال بها لما رأى من صراعات بين بني البشر حيث تسفك الدماء وتباح الاعراض ويأكل القوي الضعيف، وأعتقد بأن هؤلاء البشر بهذه الصورة لا يمكن ان يكونوا من ابناء بني الانسان الذي كرمه الله. وأنا أسأل الذي يدعون ان الانسان من أصل قرد ماذا هم قائلون عن الجماجم التي عثر عليها لبني البشر منذ ملايين السنين. وأقول ان الخالق الذي ابدع هذا الكون لا يصعب عليه ان يجعل الانسان من اصل انسان.
ان هذه النظرية ليس لها اي سند من العلم او العقل او الدين وان تكرار الحديث عن اكتشافات في شأنها هو نوع من السخف الذي يتردى فيه المجتمع البشري".
ورأى الدكتور عبدالمعطي بيومي استاذ الفلسفة الاسلامية في جامعة الازهر "ان كل الادعاءات القائلة بأن القر والانسان من اصل واحد انما ترجع في معظمها الى نظرية داروين التي تدعي تسلسل الانواع من شيء واحد هو الاميبا الحية وانها تطورت الى كائنات برمائية ثم تطور بعضها الى كاذنات برية ثم تطورت الكائنات البرية وتنوعت الى انواع الحيوان والتطور الذي نراه. ومعنى ذلك عند داروين ان القرد والانسان من اصل واحد هو تلك الأميبا.
ويذكر ان داروين على رغم ما اشيع ان الحاده نص في كتابه "أصل الأنواع" الذي ترجمه اسماعيل مظهر ان الخالق سبحانه هو الذي صنع هذا التطور، وان كنت أرى ان داروين كان متردداً بين الايمان والالحاد، وليس معنى شبه الانسان بالقرد او شبه القرد بالانسان ان الانسان متطور ان القرد. بل ان القرد تطور الى ما يسمى "انسان بكين" الذي يشبه الانسان والقرد معاً. وهي على كل حال نظرية يمكن ان يثبتها العلماء او ينفوها حسب ما يستقر امامهم الدليل الذي يستخرجه البحث العلمي. ونحن - المؤمنين - لا تضرنا النظرية ما دام ان هناك اجماعاً على ان الخالق موجود وقادر وهو الذي احدث هذا التطور".
وفي المملكة العربية السعودية، أكد الشيخ صالح بن غانم السدلان استاذ الفقه الاسلامي في كلية الشريعة في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض، "ان القرآن الكريم كان صريحاً في توضيح كيفية خلق الانسان في قوله تعالي "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلنا نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فسكونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً اخر فتبارك الله أحسن الخالقين".
ان آدم عليه السلام خلق من طين "الأرض" وقد جاء في الاثر ان الله ارسل ملكاً الى الارض فأخذ قبضة من سهلها ووعرها ومن احمرها وأبيضها ومن مختلف اجناس الأرض فخلق منها ابا البشر سيدنا آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأكرمه فأسجد له ملائكته".
وأضاف السدلان: "ان ابليس وسوس لآدم وأضله وأخرجه من الجنة ومع ذلك فان الله تاب عليه وأسكنه الارض وجعل من سلالته بشراً يعمرون الأرض الى يوم القيامة.
ويؤكد القرآن الكريم في موضع اخر ان اصل الانسان خلق من طين ثم اصبح نسله سلالة من ماء مهين او ضعيف، وفي سورة الطارق يباهي الله تعالى بكيفية خلق الانسان فيقول "فلينظر الانسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب" اي من صلب الرجل وترائب المرأة وقيل غير ذلك".
وأوضح الشيخ صالح السدلان "ان اولى مراحل الخلق تبدأ بالنطفة وهي ضعيفة من ماء مهين، ثم تتحول النطفة الى علقة، وهذه هي المرحلة الثانية وتتطور العلقة في مرحلة اخرى الى مضغة، وهي قطعة اللحم، وقال العلماء انها بقدر ما يمضغه الماضغ ثم يأتي قوله تعالى: "فكسونا العظام لحماً" وبذلك تكتمل عملية خلق الانسان وهو في بطن امه فيولد بعد ذلك سوياٍ ان شاء الله".
ووصف انصار نظرية داروين بأنهم "أحرار في ما يقولون لأنهم اصلاً ليسوا مسلمين بل يفتقدون الى العقائد السماوية الصحيحة، لكننا كمسلمين نؤمن بكل ما أنزله الله تعالى على الانبياء عليهم السلام. ويجب ان نؤمن ايماناً كاملاً بأن الخبر الذي يأتينا من الله لا ينبغي ان يكون في مقابله اي خبر آخر او رأي مخالف للبشر".
وأضاف: "لو قرأ انصار داروين القرآن وامتلأت به قلوبهم عرفوا من القرآن كيف خلق الله آدم وكيف تكاثر نسله بعد ذلك حتى امتلأت بهم الارض لرفضوا تلك الافكار المغلوطة التي تراود اذهانهم نتيجة افتراضات النظرية التي ما زالت حتى الآن تحتاج الى الأدلة والبراهين. ان انصار داروين انفسهم لا يزالون يشككون في نظريتهم التي يصفونها بالنقص لعدم اكتشاف ما يسمونه الحلقة المفقودة في تطور الانسان حسب زعمهم. وحتى لو استطاعوا اكتشاف ذلك فانه لا يعني شيئاً بالنسبة الى المسلمين ولغيرهم من اصحاب الديانات السماوية لأن النظرية باطلة من اساسها فلا يوجد عاقل يمكن ان يصدق ان اصل الانسان كان قرداً ثم تطور وارتقى".
وسئل السدلان عن امكان تحول الانسان الى قرد كما حدث لبني اسرائيل الذين مسخوا الى قرود وهل كان المسخ الذي حدث لهم مسخاً حقيقياً ام معنوياً فأجاب "ان هذا السؤال لا علاقة له بموضوع نظرية داروين لأن قصة المسخ حدثت في وقت متأخر وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة والخنازير عقاباً لهم، ولكن لم يكن لهؤلاء اي نسل بل انهم انقرضوا وماتوا جميعاً بعد ذلك. فالقردة والخنازير الموجودة حالياً ليست من النسل الذي مسخ اليه بن اسرائيل. وهناك اخبار كثيرة عن هذا الموضوع لكن معظمها اسرائيلي كأن يقال انهم اصبحوا كقطعان الماشية في قصورهم وبيوتهم حتى ماتوا".
وطالب استاذ الفقه في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض الذين يقولون بأن ما حدث لبني اسرائيل هو مسخ معنوي ان يقدموا الدليل على هذا التفسير "لأن العذاب والنكال المقصودين لا يتحققان بذلك خصوصاً ان هذا المسخ كان تأديباً لهم".
وقال رداً على سؤال عن الشبه بين الانسان وبعض انواع القرود: "لا أرى في ذلك اي مدعاة للعجب اذ يوجد نوع من السمك يشبه الانسان، ولكن لا يؤثر في انسانية الانسان ان يكون له شبه من المخلوقات الأخرى لأن الله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناه من الطيبات وفضلناه على كثير ممن خلقناه تفضيلاً". وقال: "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم"
وقال في موضع اخر "يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك". وجاء في الحديث ان الله خلق ادم على صورته وفي تفسير ذلك قولان: الاول ان الله خلق ادم على صورته سبحانه وتعالى والثانية ان الله خلق أدم على الصورة التي تبدو عليها ذريته الآن ولعل في ذلك اخر على من يدعون ان الانسان تطور من قرد كما يقول الداروينيون".
فتوى
وجاء في السؤال الخامس من الفتوى الرقم 5167 الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء السعودية التي يرأسها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الآتي:
هناك من يقول ان الانسان منذ زمن بعيد كان قرداً وتصور فهل هذا صحيح وهل من دليل؟
- هذا القول ليس بصحيح والدليل على ذلك ان الله بين في القرآن أطوار خلق آدم فقال تعالى "ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب" ثم ان هذا التراب بل حتى صار طيناً لازباً يعلق بالأيدي فقال تعالى: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين". وقال تعالى "انا خلقناهم من طين لازب" ثم صار حمأ مسنوناً قال تعالى "ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حماً مسنون". ثم لما يبس صار صلصالاً كالفخار قال تعالى: "خلق الانسان من صلصال كالفخار" وصوره الله على الصورة التي ارادها ونفخ فيه من روحه قال تعالى: "واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين".
هذه هي الاطوار التي مرت على خلق آدم من جهة القرآن. واما الأطوار التي مرت على خلق ذرية آدم فقال تعالى: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين".
مسار التطور البشري كما يراه بعض العلماء!
* أسترالوبيثيكوس راميدوس: تعود بقاياه التي عثر عليها في اثيوبيا الى اكثر من 4.5 ملايين سنة. الطول: ما بين متر واحد ومتر وثلث.
* أسترلوبيثيكوس افارنسيس: تعود بقاياه التي عثر عليها في اثيوبيا ايضاً الى اكثر من 4 ملايين سنة. الطول ما بين متر واحد ومثر وثلث.
* أسترالوبيثيكوس افريكانوس: عاش قبل ما بين 3 ملايين ومليون سنة. الطول: ما بين متر واحد ومتر وثلث.
* هومو هابيليس الانسان المستخدم يديه: اول الانواع المعروفة من الانسان وعاش قبل ما بين مليونين ومليون ونصف سنة.
* هومو إركتوس الانسان المنتصب القامة: يحتمل انه ظهر في افريقيا قبل نحو مليون ونصف المليون سنة.
* هومو سابينس الانسان العاقل: ظهر قبل نحو 30 ألف سنة وهو أقرب الأنواع المكتشفة الى الانسان الحالي.
التسلسل التاريخي للاكتشافات
- 1737: ابتكر كارل فون لانياس مفهوم "تصنيف الكائنات الحية".
- 1856: عثر على عظام انسان نياندرتال مصادفة في مدينة دوسلدورف الألمانية.
- 1859: نشر تشالز داروين كتابه الشهير "أصل الأنواع".
- 1908 اكتشاف جمجمة وعظام مختلفة الانسان نياندرتال في منطقة لاشابل اوسان الفرنسية. وكانت عظام الفخذ والعمد الفقري مصابة بمرض التهاب المفاصل.
- 1909: العثور على جمجمة انسان نياندرتال متحجرة في فيراسيه الفرنسية.
- 1924: وجد راميوند دارت جمجمة متحجرة لطفل من تونغ شمال افريقيا.
1936: العثور على بقايا مادة شبيهة بدماغ كائن استرالوبيثيكوس في شتيركفونتين جنوب افريقيا.
- 1947: عثر روبرت بروم على جمجمة استرالوبيثيكوس متحجرة في شتيركفونتين.
- 1959: وجدت ماري ليكي، زوجة لويس ووالدة ريتشارد، في اولدوفاي غورج تانزانيا جمجمة كائن من صنف زينجانثروبوس الملقب "الانسان كسار البندق".
- 1964: اعلن لويس ليكي مع زميليه فيليب توبياس وجون نابير اكتشاف الصنف الجديد "هومو هابيليس".
- 1969: وجد ريتشارد ليكي جمجمة متحجرة لكائن استرالوبيثيكوس في بحيرة توركانا في كينيا.
- 1972: اثبتت جين غودال ان سلوك الشيمبانزي وجيناته شبيهة بسلوك الانسان وجيناته.
- 1973: عثر دونالد جوهانسون على عظام متحجرة لمفصل الركبة التابع لمخلوق من صنف استرالوبيثيكوس افارنسيس في اثيوبيا اطلق عليه اسم "لوسي".
- 1978: عثر ماري ليكي في لايتولي تانزانيا على آثار اقدام يعود تاريخها الى حوالى 3.5 مليون سنة.
- 1994: اكتشف العلماء تيم وايت وجين سووا وبرهاني أصفاو بقايا متحجرة لكائن "استرالوبيثيكوس راميدوس" في منطقة عفار الأثيوبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.