زيلينسكي: نجاح اتفاق المعادن مع أمريكا يعتمد على المحادثات مع ترامب    استعدادات في غزة لاستقبال أكثر من 500 أسير محرر    «الصناعة»: المملكة تطور إطاراً تنظيمياً وتمويلياً لدعم الإنتاج المحلي للمنافسة عالمياً    المعرض السعودي للترفيه والتسلية 2025 يستعد لاستقبال رواد صناعة الترفيه العالمية في الرياض مايو المقبل    أمير المدينة المنورة يرأس اجتماع المجلس المحلي بمحافظة بدر    أمير تبوك يواسي أسرة الشريف في وفاة الدكتور عبدالله الشريف    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية القمر المتحدة    حارس الجبلين يعتدي على حكم لقاء العدالة بعد طرده    أمانة الطائف تقوم بتشغيل ممشى السد الجديد على مساحة 10.500م2    لافروف: تهجير سكان غزة «قنبلة موقوتة»    الشنقيطي للجماهير: ننتظر دعمكم.. وهدفنا العودة بالكأس    عمرو مصطفى: أنا كويس وسأتعاون مع الهضبة مجدداً    «الشرايطي» يفوز ب«نجوم الغد» والسعودي معن عبدالله ثانياً    الجدعان يرأس وفد السعودية في اجتماع وزراء مالية «G20»    أمير الرياض يعزي في وفاة محمد السديري    وزير نفط سورية: رفع أوروبا العقوبات عن «الطاقة» يعزز اقتصادنا    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق برنامج "تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها"    أمير الرياض يستقبل سفير جمهورية مصر العربية المعين حديثًا لدى المملكة    أمير تبوك يترأس اجتماع الإدارات الحكومية والخدمية لمتابعة استعدادات شهر رمضان    حكمي يحتفل بزواجه    البرد القارس يجمد الأشجار في حدائق عرعر    أمير المنطقة الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني ويدشن مبادرة "مفيد"    البرلمان العربي يمنح نائب رئيس مجلس الشورى السعودي وسام التميز    محافظ جدة يُكرّم الطلبة المبدعين في «تايسف 2025» وَ «أنوفا 2024»    سمو أمين منطقة الرياض يفتتح "واحة التحلية" ضمن سلسة واحات الرياض    أمير المدينة يؤكد على تحقيق أعلى درجات الراحة والأمن لقاصدي المسجد النبوي    أمانة القصيم: مجانية مواقف وسط بريدة    الجيش يتقدم لتطهير وتأمين جنوب الخرطوم    تبوك: القبض على مروج 9893 قرصاً مخدراً    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال رمضان يوم الجمعة 29 شعبان    تجمّع مكة الصحي يكمل تجهيز 8 مستشفيات و 43 مركزًا صحيًا    إقامة أسبوع التوعية بمرض الحزام الناري بالمملكة    ضبط 6 وافدين لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في أحد مراكز المساج بجدة    بموافقة خادم الحرمين.. توزيع 1.2 مليون نسخة من المصاحف وترجمات القرآن في 45 دولة    منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع يناقش "إعادة التأهيل والإدماج"    مدير الأمن العام يرأس اجتماع قادة قوات أمن العمرة    لموظفيها العزاب : الزواج أو الطرد    5 عادات شائعة يحذر أطباء الطوارئ منها    مملكة السلام.. العمق التاريخي    لاعبون قدامي وإعلاميون ل"البلاد": تراجع الهلال" طبيعي".. وعلى" خيسوس" تدارك الموقف    أكد ترسيخ الحوار لحل جميع الأزمات الدولية.. مجلس الوزراء: السعودية ملتزمة ببذل المساعي لتعزيز السلام بالعالم    شهر رمضان: اللهم إني صائم    القيادة تهنئ أمير الكويت بذكرى اليوم الوطني لبلاده    اليمن.. مطالبة بالتحقيق في وفاة مختطفين لدى الحوثيين    وزير الدفاع ووزير الخارجية الأميركي يبحثان العلاقات الثنائية    السعودية تتصدر مؤشر الأعلى ثقة عالمياً    خفاش ينشر مرضاً غامضاً بالكونغو    أنشطة تراثية في احتفالات النيابة العامة    النائب العام يبحث تعزيز التعاون العدلي مع الهند    مدير الأمن العام يتفقّد جاهزية الخطط الأمنية والمرورية لموسم العمرة    فعاليات الشرقية.. حِرف وفنون أدائية    النحت الحي    جبل محجة    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت بمناسبة اليوم الوطني    «صراع وطني» في مواجهة الاتفاق والتعاون    سقوط مفاجئ يغيب بيرجوين عن الاتحاد    تقنية صامطة تحتفي بذكرى يوم التأسيس تحت شعار "يوم بدينا"    دونيس: مهمتنا ليست مستحيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شهادة الأرض» للقويز.. رهان جريء على تكسير النمذجة الشعرية
نشر في عكاظ يوم 10 - 09 - 2021

بالصدفة وحدها، لفحتني (شهادة الأرض) للشاعر العربي محمد القويز مخلصة إياي من هجرة الشعر ولعنة التيه الجمالي. للحقيقة وحدها أيضا أعترف أنني كنت قد دلفت إلى ما يشبه العزلة القرائية بسبب النمذجة الشعرية التي سقطت فيها التجارب الشعرية العربية منذ عقود، وهي تدور في فلك الاجترار والتنويع على نماذج وصيغ شعرية بعينها في غياب تجارب لافتة تضيف وتؤسس للمختلف واللامتوقع، للمدهش والجديد. فهل كنت محظوظا وأنا أسقط في جب الذهول أم أن الشهادة جاءت لتنقذني مما كنت «أتعنكب» فيه وأتمطى في صحراء شاسعة عزلاء من كل رذاذ وحبق جماليين؟
بذلك السؤال عبرت إلى الإنصات المتعدد لنص تتجدد مياهه باستمرار كلما عاودت قراءته وكأني لا أستطيع أن أستحم في نهره مرتين ولا مرات لأن أمواهه النابضة بالحياة وعمق الرؤى جعلتني أرحل في عوالم شتى وأعيش حيوات لا نهائية وأنا أتعثر ببدايات الوجود وأتقدم حافيا منذهلا في مقصورة التاريخ الذي يقترحه الشاعر بصيغة حرى ليجعله مليئا بالثقوب والأسئلة والعبر النابعة من جراح الكينونة وعبثية الشرط الإنساني ذي الاختلال المصيري والمفارقات الموجعة.
منذ سنوات بعيدة، وأنا أتلمس وسط الخراب والعماء قاذفات الشعر المدهشة وهي تخترق السائد والنموذج بيد أني لم أكن ألفي -في أحسن الحالات- سوى فلتات هاربة فنيا بين الحين والآخر في شكل مقاطع متناثرة هنا وهناك في المدونات الشعرية، لدرجة أني اضطررت إلى التعاطي الفيتيشي fetishist بالمفهوم السيكولوجي مع تلقي النص الشعري لأن كلية النص في غياب تماسكه تفضي بك إلى نوع من المرضية القرائية المزمنة، وهذا ما قد يغيب عن أسئلة النقد العربي الحقيقية لا المزيفة كما هو مفروض في مهام النقد ووظائفه الأساسية.
لطالما كنت أبحث عن قصيدة تشبه التنهيدة الواحدة واللوحة الفسيفسائية المتلاحمة والجملة الشعرية المتمترسة خلف غابات رمزية وأكوان فلسفية تستثمر المعرفة قصد شعرنة أبعادها ضمن بؤر مشدودة إلى مقصديات معينة بتعبير التداوليين وغيرهم من أصحاب نظريات الخطاب. أو لم يعلمنا (علم النص) كما صاغه الهولندي von dijk (فان ديك) أن النص جملة كبيرة متماسكة المصائر والأجزاء مهما تشعبت منعرجاته وتباينت منعطفاته؟
إن المقترح الشعري الذي قدمه الشاعر العربي محمد القويز مسيج بإستراتيجية متينة نظريا ومقصديا وممارسة نصية تهيأت لها كل العوامل الجمالية التي تجعل منها عملا ملحميا كرنفاليا يغوص في عوالم غير مسبوقة مؤسسا لأمداء فلسفية واستطيقية مغايرة. لقد استعار الشاعر المعرفة التاريخية ليضخ في ميازيبها ما يجعلنا نقرأ التاريخ لا بوصفه كتابة المنتصر كما هو متعارف عليه في الأدبيات التاريخية بل من خلال أنات المهزوم الذي تم إقصاء أنينه وهو يتلظى في أتون النسيان ويتلوى من فرط سياط القهر.
لقد كتبت شهادة الأرض بحبر (اللاخطية) nonlinearity، بالمعنى الذي يجعل من حيوات عناصرها البنيوية تتقاطع في اوقيانوس المتخيل الهادر وهذا ما يحتم على أجهزة التلقي استنفار أدواتها وحواسها لاستقبال الأفق الشعري الشاسع الذي رسمه الشاعر محمد القويز في لوحاته واندفاعات أنفاسه وتموجات أنامله، وذلك في شكل أوركسترا كرنفالية رمزية تقرأ العالم والتاريخ والوجود بطرائقها الخاصة وتعيد بناءها بصيغها الخالصة.
لست أدري، في هذا المقام، إن كان النقد العربي (أو ما يصطلح عليه كذلك على الأقل) قادرا على الإنصات لتجربة بهذا الزخم الضالع في الفرادة والتميز سواء من حيث معماريتها أو بلاغتها الشعرية وخروجها من أتون النمذجة وقدرتها على صناعة مشروع شعري نوعي بكل المقاييس، يبدد الكثير من الكسل (التداولي) الذي اعتاد عليه المتلقي – ناقدا كان أو قارئا عاديا- في التعاطي مع المنتوج الشعري وتداوله.
إن المقترحات التخييلية والصيغ الشعرية التي تزخر بها (شهادة الأرض) لقمينة بوضعنا وجها لوجه مع كرنفال شعري راهن على الاختلاف والإنصات لوجع الشرط الوجودي المصوغ شعريا دون ادعاء ولا صخب.
ولا يفوتني في نهاية هذا الاعتراف إلا أن أؤكد مرة أخرى على ضرورة الانتباه لهذه التجربة بوصفها تدميرا للنمذجة النصية من جهة واستنفارا لصياغة منظور جديد تشكله (شهادة الأرض) بغية تجديد الرؤية للمقول الشعري الذي صار مجرد تنويعات على هندسة قبلية تنطلق من محاكاة نماذج صارت في عداد الاهتراء من فرط استهلاكها وإعادة إنتاجها ضمن مختلف الأشكال السائدة. لقد شقت (شهادة الأرض) نصيا عصا النمذجة لتقترف رؤيويا الخروج من زوايا تداولية تيبست جفونها ووهنت عظامها وجفت ينابيعها، وهذا يكفي ليجعلها قصيدة استثنائية لها جاذبيتها وجموحها وانفلاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.