كان العقد الماضي عقدا حزينا وكارثيا على الوطن العربي، حيث عاش خلاله مجموعة من الأحداث والمآسي لا تزال غالبية الدول العربية تعاني من تداعياتها وهزاتها ورداتها التي وقفت خلف عديد النتائج غير المرغوبة.. أهم هذه الأحداث هو الربيع العربي الذي كانت أيامه عصيبة وعسيرة وغير سهلة على جميع الدول العربية، وهي التي كانت تحكم من قبل أنظمة هشة ديدنها الغياب التام عن بذل أي جهد لتخفيف آثار المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن. انبهر الجميع بالنتائج اللحظية للربيع العربي مثل هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وسقوط نظام حسني مبارك في مصر وبعده سقوط معمر القذافي في ليبيا. وبدأت متتالية نتائج خروج وإخراج الشعوب للشارع تتوالى وتُرك الحبل على الغارب. أصبحت سوريا وليبيا واليمن والعراق مسرحا للفوضى وسيطرة الحركة الإرهابية الظلامية «داعش» وأخواتها من التنظيمات الإرهابية على مدن رئيسية في العراقوسوريا وليبيا.. وأصبح مخطط الفوضى يهدد كل الدول العربية بما فيها دول الخليج وكان المخطط الأثيم يستهدف المملكة العربية السعودية بشكل خاص وإسقاطها في وحل الفوضى، وهو ما يعني كارثة حقيقية على العالمين العربي والإسلامي كليهما. الجميع يعلم أين بدأت المؤامرة وكيف تم التخطيط لها والدول التي مولتها كما يحفظ مجرياتها الجميع وأولهم الإدارة الأمريكية التي كانت حينها في غاية التحمس لتلك الفوضى بل كانت الأذن الصاغية للمخطط والراعية لممولي عسكرة الربيع العربي ليصبح صيفا حارقا. وقد كشف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في كتابه الأرض الموعودة عن غيض من فيض من فصول تلك المؤامرة، وما خفي أعظم.. ومن أهم ما ورد في الكتاب حوار أوباما مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، حيث حذره الشيخ محمد وكان المستشرف المتبصر من أنه في حال سقطت مصر وتولى الإخوان زمام الأمور فقد يسقط ثمانية قادة عرب آخرون. وينزل الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما تحذير الشيخ محمد منزلته حيث يقول إنه فهم أن كلام الشيخ محمد بن زايد لم يكن طلبا للمساعدة بل كان تحذيرا.. لسنا مستعدين لتصور وقوع لعبة الفوضى والإفساد في أرض الحرمين ولا أعتقد أن أحدا منا يمكن أن يتصور حجم الكارثة لو وصلت الاحتجاجات للسعودية. كانت أولى نتائج هذا المسار أنه خلال السنة الأولى من الربيع العربي، بدأ التمكين لتنظيم الإخوان في جميع الدول التي سقط حكامها في تونس ومصر وليبيا.. حاول الإخوان السيطرة على المشهد عن طريق ثورتهم المضادة لخيار الشعوب، كما ساهموا بفعالية في دعم التنظيمات المسلحة التي تحاول السيطرة على الحكم في سوريا واليمن. وبعد وصولهم للحكم في مصر وتونس بدأت شوكة داعش والتنظيمات الإرهابية تقوى في سوريا وليبيا والعراق.. تحقق الهدف جزئيا بالنسبة للراعي لكنه كان منقوصا حيث لم يصل الأمر للسعودية والبحرين.. وبكل رجولة وشمم وقف الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله لسيناريو المؤامرة بالمرصاد مستشعرا الخطر المحدق. ظل الحاقدون يواصلون محاولاتهم لزعزعة الاستقرار في المملكة وذلك من خلال تحريك الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في الحدود العراقية السعودية.. إلا أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان أكثر حزما ويقظة وشدة ومن خلفه ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ازدادت السعودية قوة وصلابة داخليا وخارجيا.. تلقى المتآمرون ضربة قوية حيث لم يلبثوا أن فشلوا سريعا في مصر وتونس وذلك بسبب انعدام الخبرة السياسية ومحاولة الجماعة ابتلاع الدولة. وظهر أن تنظيم الإخوان لا يملك مشروعا لتسيير الدول، بل إن أقصى قدرة «الجماعة» هو تسيير تنظيم سري يفتقر لأساسيات العمل السياسي مع أحزاب تخالفه التوجهات الأيديولوجية. وعت الشعوب وفهمت الدرس، وكان مصداق المثل رب ضارة نافعة، فقد انكشف الإخوان على حقيقتهم بعد وصولهم للسلطة، وتسلم الجيش المنحاز للشعب الأمر في مصر وعاد قادة التنظيم للسجون. ولم يعد خافيا على أحد أن ما سماه التنظيم ذات يوم ربيعا كان صيفا حارقا جلب للمواطن الليبي والمصري والتونسي والسوري واليمني وغيرهم الدمار والتشرد وسفك الدماء والفقر وانعدام الخدمات والجميع يعيش الكارثة إلى يومنا هذا.. غير أن أفضل ما شهدته تلك السنوات البائسة والكئيبة هو مولد محور عربي معتدل تقوده السعودية والإمارات. وقف هذا المحور بحزم انسجاما مع التزاماته القومية والحضارية دون سقوط مصر مرة ثانية. وساهم في مساعدتها اقتصاديا وسياسيا بمليارات الدولارات، كما وقف وقفة الشجعان الإخوة مع البحرين وجميع الدول العربية الأخرى التي عانت من ويلات الربيع الحارق. هذا التحالف العربي النبيل أوجع الكثيرين خصوصا تنظيم الإخوان وداعميهم وأصبح أعداء العرب جميعا يلعبون على هدف واحد، هو محاولة ضرب العلاقة بين السعودية والإمارات، وقد جندت لذلك دول بعينها وسائل إعلام كبيرة وملايين المدونين ومراكز دراسات غربية وعربية ومنظمات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني وسياسيين غربيين وعرب ودبلوماسيين.. كان جدول عمل كل هؤلاء يتكون من نقطة واحدة، وهي زعزعة العلاقات السعودية الإماراتية. الدور السعودي الإماراتي المشهود في التصدي للمشروع التخريبي في الوطن العربي بداية من وقفة الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله وحديث الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وانتهاء بنجاح السعودية والإمارات في خلق صيغة جديدة من الخطاب الديني أصبح الغرب ينظر لها بإعجاب، كما أصبحت حاضرة على طاولة صنع القرار الدولي، كل ذلك أسهم بشكل كبير في تغيير الصورة النمطية للغرب من أن الإسلام ليس دين كراهية وعنف، وأن تنظيم الإخوان ليس تنظيما معتدلا كما كانوا يرونه في الغرف المغلقة، بل هو الأب الشرعي للقاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الإرهابية.. من هنا نفهم عقدة الإخوان وداعميهم من التحالف السعودي الإماراتي، ولعبهم على وتر محاولة الوقيعة والتفرقة بين الشقيقتين.. إلا أن جهودهم ستذهب كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الوحدة والتآخي عنده.