يوم ثانٍ من «فوضى الحرية» عاشته بريطانيا أمس، كأنه مشهد من أحد أفلام الخيال العلمي. فقد عادت ملاهيها إلى صخبها، وزحامها. وعادت قاعة ألبرت الملكية في كنزنغتون لتمتلئ عن آخرها بعشاق الموسيقى والغناء. لكن قطاعاً كبيراً من الشعب البريطاني اعتبر ذلك بداية كارثة لا يعلم مداها إلا الله. وبدا الانقسام بيّناً في محلات السوبرماركت، وقطارات المترو... حيث قرر كثيرون الامتناع عن ارتداء قناع الوجه (الكمامة)، بينما تمسك كثيرون بالكمامة. وترافق ذلك كله مع ارتفاع غير مسبوق في درجة الحرارة، التي فاقت 31 درجة مئوية؛ ما أدى إلى تدفق مئات الآلاف على الشواطئ، حيث يستحيل الحفاظ على مسافة التباعد الجسدي. لكن فرحة أصحاب الملاهي لم تطل كثيراً؛ إذ تلقوا بصدمة شديدة تصريحات رئيس الوزراء بوريس جونسون -الذي يقضي فترة عزل صحي في منزله الرسمي الريفي (تشيكرز)- بأنه يدرس فرض إلزامية إبراز شهادة التطعيم بجرعتي اللقاح المضاد لكوفيد-19 على أي شخص يريد دخول الملاهي. ولم يستبعد جونسون إمكان تمديد مشروع الشهادة الصحية ليشمل وحدات قطاع الضيافة الأخرى، كالفنادق. وفي خطوة أثارت انتقادات حادة لجونسون، قال إنه أمر بتعديل الضوابط الصحية بحيث يمكن للكوادر الصحية في الخطوط الأمامية للحرب على الوباء تجاهل تعليمات تطبيق الخدمة الصحية الوطنية بالعزل نتيجة مخالطة مصاب، أو مصابين. وأفردت صحيفة «ديلي ميل» أمس مساحة في موقعها لأحد الكتاب وصف جونسون بالخط العريض بأنه مصاب بالشيزوفرينيا! واعتبر الرئيس التنفيذي لاتحاد الصناعات الترفيهية مايكل كيل تصريحات جونسون ضربة قتلت حرية الملاهي بعد 17 ساعة فقط من «يوم الحرية». وأشار إلى أن أصحاب الملاهي يرون أن إلزامية شهادة التطعيم ستسفر عن تقليص عدد زبائنهم. وسارع وزراء حكومة جونسون لنفي المزاعم بأن قرار إلزامية شهادة التحصين يمثل «عصا» لحمل الشباب المُعرضين عن التطعيم للتعجيل بالحصول على اللقاح. واعتبر نائب حزب المحافظين رئيس لجنة مكافحة كوفيد-19 في مجلس العموم (البرلمان) مارك هاربر، وهو من غلاة المعارضين للإغلاق، أن اتجاه حكومة جونسون إلى فرض إلزامية شهادة التطعيم يعني عملياً أنها تتجه إلى فرض إلزامية التطعيم. وعزز جونسون رسائله التحذيرية لشعبه من مغبة تجاهل الحقيقة المتمثلة في أن الوباء العالمي لم ينته بعد. وكانت المفارقة أن جونسون قضى «يوم الحرية» في العزل الصحي، بعد مخالطته وزير الصحة ساجد جاويد الذي أصيب السبت الماضي بالفايروس. ويرى المراقبون أن ذلك يمثل أكبر دليل على هشاشة الوضع الصحي في بريطانيا. وكان علماء الحكومة البريطانية أعطوا رئيس الوزراء الضوء الأخضر لتحرير البلاد من الإرشادات الصحية المتعلقة بكوفيد-19، باعتبار أن تطعيم 68.5% من السكان بجرعتي اللقاحات المضادة للوباء كافٍ لإبعاد مخاطر تفاقم الأزمة الصحية. غير أن 1200 من علماء العالم نددوا -في خطاب مفتوح نشرته مجلة «ذا لانسيت» الطبية المرموقة- بقرار تحرير بريطانيا، محذرين من أنه سيجعل بريطانيا بؤرة وبائية يمكن أن تنتقل منها العدوى الفايروسية إلى جميع أرجاء العالم. وفي أكبر ضربة عالمية لسياسات جونسون؛ أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية الليل قبل الماضي تحذيراً للأمريكيين بعدم السفر إلى المملكة المتحدة وإندونيسيا؛ بسبب ارتفاع الإصابات الجديدة بفايروس كورونا الجديد. وكانت المراكز الأمريكية للحد من الأمراض ومكافحتها اعتبرت السفر إلى بريطانيا «مخاطرة كبيرة جداً»، بسبب الارتفاع المشار إليه، الذي يشمل حتى إصابة الأشخاص المحصنين بجرعتي اللقاح. وأضافت أن أي أمريكي تضطره الظروف إلى السفر لبريطانيا يتعين عليه أن يتمسك بارتداء قناع الوجه، وأن يحافظ على مسافة مترين من الآخرين. وكانت بريطانيا سجلت السبت الماضي أكثر من 45 ألف حالة جديدة بسلالة دلتا الهندية السريعة التفشي. وأردفت ذلك بأكثر من 47600 إصابة الأحد. وتزامنت «حرية بريطانيا» أمس الأول مع هبوط معظم أسواق المال العالمية، نتيجة المخاوف من عودة تسارع التفشي الوبائي.