عرفت القلطة طاروقه، وجاوزت أبياته ألسنة الصفوف المتقابلة، حتى نحت الشاعر الراحل مستور العصيمي اسمه في تاريخ الشعر الشعبي في الخليج، واحداً من شعراء العصر الذهبي للمحاورة، قبل أن يرحل أمس (الأربعاء) دون أن يوقف الألسنة عن ترديد أبياته، وأن يقطع تصفيق المعجبين ب«خلوووها» الأخيرة. ودون أن يعلم «وادي بسل» أن شاعراً بحراً سيولد على مقربة منه، جاءت أولى صرخات الشاعر مستور العصيمي (جنوبالطائف)، ليبدأ من هناك تشربه لمعاني الشعر، وحضور محاورات شعر القلطة بين الشعراء المحليين هناك، إذ تعد «المحاورة الشعرية» موروثاً شعبياً للسكان في قرى الطائف بشكل عام. وما لبث مستور العصيمي أن بلغ أشده إلا وبدأ ممارسة هوايته الشعرية، بالوقوف أمام صفوف الرجال المستعدين لترديد كل بيت يقوله رداً على الشاعر الواقف أمامه، حتى بدأت شعبية «العصيمي» في الانتشار سريعاً كالنار في الهشيم.. شاعر يجيد فتل الأبيات ونقضها، واخفاء المعاني والإمساك بها، ومجابهة كبار الشعراء في وقته. شجاعة الراحل مستور وحضوره الذهني وسرعة بديهته، مكنته من أن يتجاوز العديد من أقرانه ويكون عنصراً أساسياً في غالبية حفلات المحاورة الشعرية، رجلاً من رموز مرحلة العصر الذهبي للمحاورة بدءاً من سبعينات القرن الماضي، حتى مطلع الألفية، بعد أن مكنته ثنائياته مع «عبدالله المسعودي، مطلق الثبيتي، جارالله السواط، صياف الحربي، محمد بن جرشان، فيصل الرياحي، حبيب العازمي»، من تكوين قاعدة جماهرية جارفة. ومن ميادين المحاورات في القرى مروراً ببرامج الشعر الشعبي في الإذاعة والتلفزيون، وانتهاءً ب«المغترة» تدرجت جماهيرية العصيمي في شعر المحاورة حتى بلغت أقصاها في وقتنا الحالي، بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من منشورات الرثاء والحزن على رحيل الشاعر، حملت كثيراً من الأبيات التي كتبت بواسطة عدد من الشبان الذين لم يحضر أي منهم محاورة له، إلا أن موروثه المسجل في اليوتيوب جذب العديد من أبناء جيل الألفية، إلى محاورات لعبت قبل عقدين، ليؤكد بذلك العصيمي، أن اسمه سيبقى ما بقيت أبياته تتردد.