التقيت بمجموعة من أساتذة اللغة العربية، وكانت الشكوى من عدم الإقبال على أقسام اللغة العربية، وضعف الطلبة فيها، وهذه ظاهرة تحتاج إلى البحث والدراسة، وتسخير مختلف الوسائل في التركيز على أهمية اللغة العربية، وترغيب الشباب في دراستها والالتحاق بأقسامها، منذ سنوات وأعداء اللغة العربية يستخدمون أسلحة مختلفة، فتارة يصفون اللغة العربية بأنها لغة قديمة وصعبة، وينبغي التحلّل من قواعد سيبويه والخليل وابن جني وابن مالك والأخفش والكسائي وابن هشام وغيرهم. وتارة يلجؤون إلى استخدام اللغة العامية والانطلاق والابتعاد عن قيود اللغة وقواعدها ومنهجها التي أبدعها علماؤنا وشهد لها التاريخ بالغزارة والسعة. وطوراً يريدون هجر الحرف العربي واستعمال الحرف اللاتيني إلى غير ذلك من الأقوال (تعدّدت الأسباب والموت واحد). فهذه الحرب النفسية المتواصلة ينبغي أن نقابلها بالعمل، وألا نتركها تؤثّر في نفسيات شبابنا، وتضعف عزائمهم، فهذا الضعف الذي يشتكي منه أساتذة اللغة العربية سواء في مراحل التعليم العام أو الجامعي سوف يزداد سوءاً، وينعكس بأثر متزايد على اللغة وآدابها، بل على العلوم الدينية، والدراسات الشرعية، إذ إن محور الفهم والاستيعاب ومدار الإدراك والإلمام والفهم مرتبط بمعرفة اللغة، فهي - كما يُقال- مفتاح العلوم لمختلف المعارف، كعلوم القرآن والحديث والفقه والعقيدة والبلاغة والأدب والتفسير، إن اللغة العربية توضح بجلاء عظمة أسلافنا، وما تركوه من تاريخ ثقافي ممتد عبر القرون، وإنا لنرجو أن يهتم الخلف بالسلف، فنرى جيل اليوم يقبل على دراسة اللغة، فيزدهر حاضرها، وعلى جامعاتنا الاهتمام بها، ومتابعة قضاياها، وترغيب الشباب فيها، إن من يقارن اليوم بين شبابنا وواقعنا بالأمس من حيث الاهتمام باللغة العربية، والحرص على قواعدها، يرى بوناً شاسعاً، حيث هبط مستوى طلابنا هبوطاً ملحوظاً، وقد برز ذلك في الكتابة، وعلى الألسنة وينبغي منذ الصغر أن يبدأ الطفل الكلام بلغة سليمة لينشأ فصيحاً، أما إذا لم يتعوّد منذ صغره على الفصاحة، فإنه من الصعب أن يسلم من الخطأ واللحن، وقد كان العرب يرسلون أبناءهم إلى البادية يوم كانت معقلاً للفصاحة. وقبل أن تخالطها العجمة واللكنة كانوا يرسلونهم ليتلقوا العربية الفصيحة الصحيحة من منبعها الصافي، أما اليوم فقد شاع اللحن في الحاضرة والبادية، وقديماً قال الأعرابي الفصيح ذو السليقة الصحيحة، والطبع السليم: ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقي أقول فأعرب إننا لنرجو من جامعاتنا ووزارة التربية والتعليم تصحيح المسار، وتوحيد الجهود واستخدام مختلف الأساليب لترسيخ لغة القرآن في نفوس الشباب، وتذكيرهم بأهميتها، وحضهم على الالتحاق بأقسام اللغة العربية، وتبصيرهم بمكانتها ورفعتها والرد على مفتريات خصومها، وبعد: فإن موضوع اللغة متشعب الأطراف لا تسعفه هذه العجالة. صوتها العالي عز فينا صداه وبه عزنا وبالمجد قاما