وجدت البشرية نفسها دون أي مقدمات أمام جائحة كورونا، أثرت على نمط الحياة، اجتماعيا واقتصاديا، وربما تطال النظام العالمي لو استمرت طويلا. والأوبئة ليست جديدة على البشرية، بل لها تاريخ طويل، وهي تبدو كمنعطفات حادة تغير من أوجه الحياة على الكوكب، بدءا بالأنشطة الإنسانية مرورا بالاقتصاد، وعدد السكان والتوزيع الجغرافي. بدأت الأخبار منذ أواخر ديسمبر 2019 تتوارد من الصين عن ذلك المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي ويدمر الرئتين لنسبة 2 أو 3% من المصابين، خصوصا كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة، وبدأ الخبر يحتل صدارة الأخبار مع تزايد أعداد المصابين وأعداد الوفيات، ثم أصبح الخبر الوحيد تقريبا بعد توقف الأنشطة البشرية المنظمة التي طالما أشغلت الناس مثل كرة القدم والسينما والانتخابات، ثم أصيب العالم بالهلع المتواصل. تلك المنعطفات في تاريخ البشرية كان أشدها وطأة الطاعون الأسود الذي ضرب العالم في عام 1347 ميلادية واستمر 5 سنوات، وقضى على ثلث سكان أوروبا. ومن المفارقات أخذ كورونا نفس المسار، فبدأ في الصين ثم انتشر بعدها في إيطاليا وإيران ربما بسبب أنها مزارات دينية. والاختلاف أن أصل الطاعون الأسود بكتيري نتج من كثرة الجثث التي خلفها المغول في المدن التي دمروها في الصين دون أن تدفن، بينما مصدر كورونا سببه فايروسي غير معروف الأصل، ويقال إنه ناتج عن تحور حدث للفايروس عبر الثعابين أو الخفافيش. وكان من آثار الطاعون الأسود على أوروبا أن مات معظم العمال وندرت الأيدي العاملة وعم الفقر والخراب، تمكن بعض الهاربين من تملك أراضيهم الخاصة فتغيرت خريطة توزيع الثروات. وموت 25 مليونا من السكان أثر على الفن، فظهرت مدرسة الموت الراقص في الرسم التشكيلي. ولم تنج حتى اللغة، فتوقفت الصالونات الأدبية التي كانت سائدة في أوروبا مما مهد لسيادة اللغة الإنجليزية بعد ذلك على اللغة الفرنسية. وإن كان الطاعون الأسود الذي نقلته الفئران عبر الموانئ مختبئة في السفن كان في عصر الجهل والقرون الوسطى، فإن الفايروس المتفشي الآن على خطورته ظهر في ذروة عصر العلم، وانتشر بنفس السرعة، لكن كل المؤشرات تدل على انحساره سريعا في ظل وعي الشعوب وسباق مراكز البحث العلمي لاكتشاف دواء في المستقبل القريب ولقاح في المستقبل البعيد نسبيا. واتخذت الدول وفي مقدمتها المملكة إجراءات عاجلة غير مسبوقة، وتتميز بالجرأة، أهمها العزل المنزلي ومنع التجول الجزئي، وتعليق الدراسة والعمل، مضحية بكل ذلك من أجل سلامة المواطن والمقيم. أخيراً.. ويتبقى فقط أن يتفهم الناس خطورة هذا الفيروس وأن يتجاوبوا مع تلك الإجراءات وأن يتنازلوا ولو قليلا عن أسلوب حياتهم المعتاد لفترة من أجل إنقاذ أنفسهم وذويهم من هذا الخطر الجديد.