أكدت دراسة صدرت حديثاً في كتاب تحت عنوان: «البنية السردية في قصص إبراهيم شحبي» للباحث أحمد بن علي هروبي على أنّ شحبي مسكون بالقرية وأنّ حبّه لها تجلّى في معظم قصصه وأنّ هذا الحبّ كان سبباً في مواجهات عدة مع المدينة والمدنيّة التي تسللت لبراءة القرية وحميميتها، وكان النصر قي تلك المواجهات للقرية لأنها تسكن نفسه ولا تكاد تفارقه لحظة واحدة، كما خلصت الدراسة التي صدرت في 209 صفحات عن مؤسسة الحازمي للنشر إلى أنّ التنويع والتشكيل في الفضاء المكاني ساهم في رسم معالم المكان بشكل يتناسب مع فكرة القصة وشخصياتها التي جاءت منسجمة مع المكان ومع عناصر القصّة المختلفة. وكانت الدراسة التي صدرت في ثلاثة فصول عن بناء الشخصية والفضاء الزماني والمكاني ولغة السرد قد كشفت عن هيمنة الشخصية الرئيسية في قصص شحبي على مساحة الكتابة، واعتمادها على تكثيف الشخصيات وتقليل عددها واستئثار الرئيسية بمجرى الأحداث، وقدرة القاص على رسم معالم الشخصية القصصية خارجياً من خلال براعته في اختيار الاسم الملائم للسلوك أو من خلال إحداث مفارقة ساخرة بين الشخصية وسلوكها النشاز في توظيفٍ جميلٍ للمفارقة، ولاحظت الدراسة قصور القاص في الاحتفاء بالرسم الجسماني والاستعانة بالحالة الصحية والجنس والعمر كأبعاد خارجية متممة للبناء الخارجي في شخصيات القاص، ناهيك عن البعد الاجتماعي الذي جاء في سياقه الطبيعي في تصوير واقع الشخصية متوائماً معها فلم تشكل الحالة الاجتماعية مفارقة لأنها جاءت في مجملها مناسبة لرسم الشخصية. أما البعد الثالث الذي تناولته الدراسة فقد كان عن البناء الفني للشخصيات الذي خلص فيه الباحث إلى المزاوجة بين البناء الفكري والنفسي للشخصيات المحملة بالأبعاد الفكرية والقضايا كقضايا العدل والأمانة والمساواة وحقوق الموظف وحقوق المرأة وغيرها الكثير من القضايا الفكرية التي انطلقت من ذاكرته الشخصية الذاتية والجمعية، كما خلصت الدراسة في البناء النفسي إلى اهتمام القاص وممارسته لذلك البناء من خلال وصف حالات شخصياته ونقل مشاعر الفرح والحزن والألم وحالات الضيق، وكأنها شخصيات حقيقية تعيش في واقع الحياة لا في دنيا القصص. كما تتبعت الدراسة الفضاء الزمني المتعدد بين نسق صاعد وآخر نازل وثالث متقطع وخلصت إلى أنّ الأنساق في قصص شحبي يهيمن عليها النسق الصاعد وأنّ ميله للنسق الهابط قليل جداً بالقياس مع النسق الصاعد الذي جاء واضحاً في الأنساق الزمنية لديه. أما لغة السرد فقد خلصت الدراسة إلى هيمنة اللغة الشعرية على لغة القاص وانعكاسها على جودة المعاني وبراعة الخيال. واعترفت الدراسة بمقدرة القاص الفائقة على تلاعبه باللغة وانحرافه بها عن السطحية المألوفة ما يجعلنا أمام مشهد لغوي شعري ينهض بلغة أعماله القصصية ويمنحها بعداً جمالياً تصبح معه ذات دلالات فنية تبتعد عن التعبير المباشر الذي قد يفقد العمل الأدبي بشكل عام رونقه وجاذبيته. كما أبرزت الدراسة ظاهرتين في نصوص القاص إبراهيم شحبي، إحداهما ظاهرة التناص الذي لم يكن متكلفاً ولا مصطنعاً -كما تقول الدراسة- ولم يكن استعراضياً ثقافياً وإنما جلبت تلك النصوص بعناية في عملية مواءمة منطقية بعيدة عن التكلف، والأخرى التكثيف الذي كان حاضراً بقوة في لغة القاص وكان وجوده كما تقول الدراسة خياراً إستراتيجياً منح المجموعات القصصية سمة القصة القصيرة والقصيرة جداً التي تجنح للحذف ولا تخوض في التفاصيل، مبتعدة عن الإسهاب الذي قد يتعارض مع طبيعة القصة القصيرة والقصيرة جداً مع وجود محطات للاستطراد لكنها قليلة قياساً مع لغة التكثيف المهيمنة.