سعدت جدا لخطوة معهد الإدارة العامة بالمملكة بعقد دورات منتظمة لتأهيل مفاوضي المملكة للمشاركة في الاجتماعات التمهيدية لقمة العشرين والتي ستعقد في نوفمبر القادم برئاسة المملكة. وهذه الخطوة ومثيلاتها تهيئ مفاوضينا ليس فقط لهذه الاجتماعات المتعددة الأطراف لقمة العشرين، بل لجميع الاجتماعات الدولية التي تشارك فيها المملكة، ولا بد من استمرارها حتى بعد قمة العشرين. وكم من مصالح وطنية للدول النامية قد تم ضياعها في اجتماعات دولية متعددة لافتقار هذه الدول أو لنقل معظمها للمفاوضين الواعين المدركين للعبة المصالح، وأصحاب النفس الطويل في الاجتماعات المتعددة. ويسود اعتقاد سمعته من بعض مفاوضينا السعوديين إلى قمة العشرين، بأننا كدولة رئاسة للقمة، يجب علينا التزام الصمت، والسعي إلى صيغ توفيقية بين الدول الأطراف بغض النظر عما إذا كانت هذه الصيغ تخدم مصالحنا أم لا، لأن نجاح القمة هو الأولوية المطلقة للمملكة، وسمعتها كدولة تستضيف القمة. وبطبيعة الحال فإن هذا الاعتقاد غير صحيح، فكم من دولة عضو في مجموعة العشرين وترأست القمة في الماضي، ولم تتنازل عن مصالحها الجوهرية في سبيل نجاح القمة. ولدينا مثال للقمم التي عقدت في الصين واليابان وغيرها، حيث تم إلغاء أو تخفيف بعض فقرات البيانات الختامية، لأن هنالك دولا تعارض المحتوى الذي كانت عليه، وهذا هو ديدن هذه القمم، والتي يعترف الجميع بأن هنالك خلافات حادة حول بعض الموضوعات والتي لا يمكن حلها في اجتماعات القادة التي تعقد ليوم أو يومين. وبيانات قمة العشرين هي ملزمة أدبيا وليست إلزاما قانونيا، لكنها تمثل عبئا يتم تذكير الدول به بين الحين والآخر وتمارس مختلف أنواع الضغوط من أجل التطبيق الحرفي لفقرات هذا البيان أو ذاك. وبالتالي فلا نتوقع بأنه بصمت مفاوضينا عن مصالحنا أن جميع الأمور سيتم حلها وفقا لمسودة البيان الذي يتم صياغته منذ الاجتماعات التمهيدية والتي بدأت مع بداية هذا العام 2020. والموضوعات التي عليها خلافات في القمة الحالية لهذا العام متعددة، منها حرية التجارة ومسائل الضرائب الدولية والهجرة وتغير المناخ وغيرها، وما لم تكن هنالك صيغ توفيقية ترضي جميع الأطراف، ويكون هنالك إجماع عليها فلن يتم إدراجها في البيان الختامي. وشهدنا الخلافات في القمم الأربع الماضية بشأن فقرة تغير المناخ والذي تعترض على إدراجه الولاياتالمتحدةالأمريكية حماية لمصالحها في النفط والغاز وفي ظل الشكوك العلمية العديدة التي تحيط بمصداقية افتراض ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض، في الوقت الذي يقول فيه العلماء وعلى رأسهم وكالة ناسا الأمريكية إن هنالك عصرا جليديا قصيرا قادما في ظل الدورات المناخية الطبيعية التي يعيشها كوكبنا منذ ملايين السنين ولا دخل للنشاط الإنساني في هذه الدورات. وبالرغم من أن المفاوضات التمهيدية لقمة العشرين ستكون مضنية، ولا تتحمل النفس القصير لأي مفاوض، مقابل المصالح الضخمة التي تدافع عنها بلاده، فلا تكفي الدورات قصيرة الأمد، بل لابد وأن تصاحبها تجارب من خلال دخول معتركات حقيقية ربما خارج إطار اجتماعات القمة، ويتم تقييم هذه التجارب، لتحديد جاهزيتنا للدفاع عن مصالحنا كما تفعل جميع الدول. وفي الختام، علينا أن لا نتناسى في زحمة دورنا الرئاسي للقمة بأن لنا مصالح جوهرية لا أحد يدافع عنها، فنحن على سبيل المثال الدولة الوحيدة من دول الأوبك في مجموعة العشرين، ولا نرضى بالتحيز الضريبي القائم ضد منتجات النفط بحجة حماية المناخ، وغيرها من المصالح الوطنية. * كاتب سعودي sabbanms@