لبنان كان ميداناً أو طرفاً لأكثر من 8 حروب وأزمات طوال 35 سنة في الفترة ما بين عامي 1948 و2016، أولها الحرب العربية الإسرائيلية المعروفة وآخرها انتصاره على جبهة فتح الشام وداعش. وتعيش الدولة اللبنانية هذه الأيام مظاهرات يتزامن يومها الخامس مع نشر هذه المقالة، وهناك من يعتقد بأن الرسوم الجديدة التي تحاول الحكومة فرضها كانت سبباً أساسياً في التظاهر، الذي يوصف بأنه جاء بلا لون أو طائفة أو تخوين من أي طرف، فالكل يحترم المطالب التي يرفعها المتظاهرون بما فيهم الحكومة والجيش وحزب الله، وإن اختلفوا في ردة الفعل المطلوب تجاهها، ومن الأمثلة أن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري طالب بمعالجة عاجلة لدعم الإصلاحات خلال 72 ساعة، وأيد الجيش المطالب باعتبارها تمس الحقوق الأساسية والكرامة اللبنانية، ولكنه اشترط سلمية التظاهر وعدم المساس بالممتلكات العامة، وحزب الله على لسان أمينه طالب بأن تعمل الحكومة – يسيطر حزب الله بالمشاركة مع التيار الوطني الحر وشخصيات محسوبة على مقاعدها بروح ومنهجية جديدة تستفيد من الانفجار الشعبي الحاصل، فما هو الذي يحصل بالضبط ولماذا؟ ولا بد أن نعرف بأن حزب الله بالمشاركة مع التيار الوطني الحر وشخصيات محسوبة عليه يسيطر على غالبية مقاعد حكومة الحريري، وبالتالي فإن استقالة الحكومة لا تعمل لمصلحته أبداً، لأنه في الواقع يدير المشهد السياسي الرسمي في لبنان بصورة شبه كاملة، وربما تحمل جزءا أكبر من مسؤولية ما يحدث مقارنة بشركائه السياسيين في الحكومة، بالنظر إلى المحاصصة السياسية الموجودة فيها. حتى نكون في صورة ما يحدث، الأزمة اللبنانية الحالية بدأت قبل يوم الخميس 17 أكتوبر، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وعدم توفرها في معظم الأحيان، ومع حرائق الغابات في لبنان يوم الإثنين 14 أكتوبر الجاري، لأن هذا التاريخ وافق إضراباً مجدولاً وشاملاً لكل المخابز اللبنانية، والإضراب جاء كردة فعل على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأولية كالدقيق والملح، والأزمة الاقتصادية اللبنانية لم تخرج من فراغ فقد ولدت المعاناة منذ السبعينات الميلادية، وكانت السياحة والاستثمارات الخليجية تعالج هذا العجز الاقتصادي بشكل معقول، إلا أن تراجع الاستثمارات والسياحة في السنوات الأخيرة بفعل الأزمة السورية والاضطرابات الأمنية، أعاد المشكلة إلى المربع الأول وربما فاقمها، وإقرار رسوم بواقع 6 دولارات شهرياً على تطبيقات الاتصالات باستخدام الإنترنت وأشهرها تطبيق «واتساب» ساهم بكل تأكيد في خروج الناس إلى الشارع، والحكومة تراجعت في ساعات عن قرار «الواتساب»، إلا أنه لم يكن عاملاً وحيداً، فمشاكل المجتمع اللبناني مع الاقتصاد كثيرة، وهذا يفسر تحول المظاهرات إلى نموذج الربيع العربي والمطالبة بإسقاط النظام حكومة ورئيس دولة. القوانين اللبنانية، بحسب الرئيس سعد الحريري في كلامه عن الإصلاحات، تحتاج إلى تغييرات جذرية لأنها خرجت في الستينات الميلادية، وهو أمر لا يتناسب مع الواقع وشروط المرحلة والتطور الحاصل في معظم دول العالم، والعمل بالحلول القاسية والإجراءات التقشفية لمعالجة المشكلات الاقتصادية في لبنان، ومن أمثلتها، فرض الضرائب، ليس عادلاً أو منطقياً ولا يحل شيئاً، لأن اللبناني يعاني ارتفاع نسب البطالة، ولم تؤمن له أولويات الحياة ولم يصل إلى الترف الذي يمكنه من دفع الضريبة بارتياح أو بتحسس بسيط، والصحيح أن المظاهرات ضد الضرائب في لبنان ليست جديدة، ولكن الأصح أنها لم تأخذ هذا الزخم والقبول من جانب الشعب والطبقة السياسية معاً، ولم تتلون بألون الانتماءات السياسية، ولعل الأجمل في المشهد اللبناني الحالي يبدو في الاتفاق والتوافق والانسجام بين كل مكوناته. المظاهرات في لبنان خرجت عن السيطرة في بعض الأماكن بمدينتي بيروت وطرابلس، والدليل قيام مجموعات من المتظاهرين بحرق إطارات السيارات وتحطيم وجهات المحال التجارية والمقار الحكومية، ولكنها كانت ضرورية لمراجعة الحالة الاقتصادية المربكة في لبنان، بعيدا عن عباءة التخوين والطائفية، التي عرقلت مسيرة الدولة اللبنانية في أكثر من ملف، ومن بينها، الملفات الاقتصادية وما تنطوي عليه من أهمية خاصة.