لقد خلفت الصحوة آثاراً مدمرة على مفاهيم الناس وأفكارهم ونظرتهم للنفس وللغير ولذوي القربى وللمجتمع وللحياة، وانعكست على تصرفاتهم وعلاقاتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم؛ فقد اختزلوا الدين في نسك وصلاة، حتى ذهب بعضهم للقول إن الشخص الذي يحافظ على صلاة الفجر حتى لو اعتدى على محارمه وشرفه، خير وأفضل من الشخص الذي لا يُحافظ على صلاة الفجر مع حفظه على محارمه. كثير منهم تأخذهم الحمية «حمية الجاهلية» مدافعاً عما يعتقد أنه من ثوابت الدين، وهو لا يعرف ما هو الثابت وغير الثابت؟ ولا ما هي الأصولية وما هو الدين؟ ومع ذلك هو يظن أنه يُدرك غاية الدين وما ترمي إليه الشريعة. ويعتقد أن عليه القيام بواجبه من حسبة لله ونصيحة، وهذه الحسبة هي التي شوهت الصحوة مفهومها. إن المحتسب أو مَن يظن أنه يقوم بالحسبة معتمداً ومستنداً على حفظه آية أو أكثر، وبعض الأحاديث التي شرحها وفسرها أهل الصحوة لتتماشى مع مفاهيمهم ومنظورهم للحياة الضيق والأيديولوجي المتشدد، الذي هو بعيد عن غايات الإسلام المليئة بالرحمة والإنسانية والكرامة واحترام التنوع والتباين، التي لم تدركها الصحوة ولا أصحاب الأصولية التراثية البعيدة عن قيم العصر والمعرفية الإنسانية. ولهذا فإن الذين يشنون الحملات ضد هيئة الترفيه وأنشطتها، ويظنون أنهم بذلك يناصرون الدين والعقيدة باعتبارهم حراس العقيدة، هم أبعد الناس عن كل ذلك؛ فالدين يحرسه الله، والعقيدة والضمير المُطلع عليهما هو الله وحده. والذي هم فيه من كراهية الحياة وسطوة الغفوة (الصحوة) التي ما زالوا يعيشون في مفرداتها وتحكمهم أبجدياتها المبنية على الكراهية والخوف والتكفير، لن يُعيق المجتمع على الإقبال على الحياة والتقدم إلى الأمام. وخيارهم بالانقلاب على العقب والرجوع للخلف لن يُقيد المجتمع، فالقطار سائر وسيفقدون مقعدهم بإرادتهم أو نتيجة التخدير والغفوة التي يعيشون في ظلامها. المفاهيم الخاطئة يجب أن تُراجع من أصحابها؛ فقد انتهت حقبة اللون الواحد ورفض الآخر والمفاهيم الذكورية، ولم يعد من المقبول أن يُنصب شخصاً نفسه حكماً وقاضياً وجلاداً على الآخرين. لم يعد ممكناً عدم إعادة النظر في الأصولية التراثية التي أنتجها الفكر البشري قبل أكثر من ألف ومئتي عام. وليس من المعقول أن يستمر خلط الفقه البشري بالنص الشرعي. وليس من المستساغ تبجيل وإظهار البشر بالقدسية للتدليس على الناس. وليس من المنطق أن نظل محكومين بمعرفية القرون الوسطى نعيش عليها ونقتات من مائدتها. نحن محاطون بمخاطر كبيرة من حولنا، وقد تسبب فيها اختطاف المجتمع من قبل الصحوة لأكثر من أربعين عاماً، لم تُفرز فيها هذه الصحوة غير القهر والكراهية والطائفية والعنصرية، كما أفرزت هذه الصحوة القاعدة وداعش والإخوان المسلمين وغيرهم من أصحاب هذا الإرث الفكري. إن هؤلاء الذين ينكرون على البشر الحق في السعادة والفرح هم من مخلفات الصحوة، ولا حق ولا مبرر لهم في محاربة الغير ومنعه من الاستمتاع بالحياة بأسلوب رفع الصوت والتحذير والوعيد واستخدام ما خلفته الصحوة من منطق معوج يقوم على نبذ الحياة والتخويف منها وعلى الفكر الذكوري، وكذلك على تفسير ضيق يراد فرضه على الجميع بالقوة والوعيد والتخويف. لقد شاهدنا كيف كانوا يحضرون لمعارض الكتاب لفرض رأيهم وتفسيق الغير. وكيف كانوا يذهبون للقبور وإفساد مراسم الدفن بحديثهم عن الأموات والتشويش على مشاعر المواساة. ولم يسلم سوق أو عيد أو مناسبة من هؤلاء الذين امتهنوا الإساءة لمشاعر الناس وتكدير أفراحهم ومناسباتهم. اليوم نقول لهم كفى كرهاً وتنفيراً؛ فالحياة لهو وزينة كما هي أعمال صالحات للبناء والتعمير وليس للمفهوم الضيق الذي يُحرف كلمة الصالحات بمعنى يُخالف المقصود. * كاتب سعودي @[email protected]