تقول الحكمة العربية القديمة «صديقُك من صدَقَك لا من صدَّقك» أي صديقك الحقيقي هو ليس الذي يؤيدك في كل شيء إنما هو الذي يواجهك بالحق والحقيقة مهما كانت التبعات لأنه مهتم بحق لصالحك، ولهذا ينبهك على السلبيات التي تضر بها نفسك بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما من يؤيدك على عماها على الخطأ والباطل والظلم والسوء فهو يفعل ذلك لثلاثة أسباب؛ الأول: مداهنتك وتملقك لمطامع له عندك ومتى زالت زال دعمه لك، والثاني: يتمثل بمقولة نابليون «إذا رأيت خصمك يدمر نفسه فلا تقاطعه»، الثالث: التعصب لأنك من عصبته التي يستعلي بها ولهذا يتوهم أنه ليبقى في مكانة فوقية مستعلية فيجب أن يبقى كل من له صلة بهم من عصبته أي لهم ذات انتماءاته في مكانة فوق أن تتواضع للحق والحقيقة والمحاسبة والنقد والتصحيح، ولهذا هو ينحاز للظالم لأنه من عصبته ضد المظلوم لأنه ليس من عصبته، وبكل الأحوال الدافع ليس حب الصديق إنما فقط إرادة استغلاله، بينما المحاسبة والمصارحة والنقد والنصح واللوم والتأنيب متولدة عن إرادة الخير بالمنصوح ولا أغراض أنانية فيها، بل في كثير من الأحيان هناك خسائر مادية ومعنوية بسبب تقديم النصح، لكن الصديق الحقيقي يتحمل الخسائر تضحية منه لأجل مصلحة صديقه، وبالطبع حمية «غرور الأنا» تجعل الشخص يكابر على الاعتراف بوجود أخطاء ونواقص فيه لأن يريد أن يرى نفسه دائما بمكانة مستعلية بمثالية موهومة ولو عبر الكذب والتدليس والزيف والرياء والنفاق والتلاعب وإنكار المسؤولية عن الأخطاء والخطايا والقصور والنقص، وفكر وشخصية الإنسان لها مثال عضلات الجسد التي لا تتقوى إلا بالضغط المكثف عليها، ولهذا ضغوط النقاد والناصحين هي التي تساهم بتطوير وتقوية عضلات الفكر والشخصية، وبدونها يبقى الشخص ضعيفا غافلا عن ذاته لا يعي حقيقتها ويتوهم مثاليتها، وتبقى له الأنماط السلوكية لطفل مراهق غير ناضج مهما تقدم بالعمر ويضر نفسه من حيث أراد أن ينفعها، ولا يمكن اكتشاف الأخطاء والقصور والإصلاح وتجويد السلوك وإيصاله للكمال الحقيقي إلا بتقبل الإنسان للمحاسبة والنقد والنصح واللوم، وحتى إن كان دافع تقديمها هو العداوة التي تجعل الخصم «واقف على الوحدة» لخصمه يتربص أن يكشف له أي خطأ او قصور فهذا مفيد لمن توجه إليه لأنها تساعده على التصحيح، لكن تقبلها ولو كان دافعها الحب هو أمر غير مريح، ومن حيث المبدأ كل تطور نوعي يبدأ من الالتزام بالحال الصائب غير المريح. * كاتبة سعودية [email protected]