رغم أن المملكة حققت تقدماً تاريخياً في ملف حقوق الإنسان في الأعوام الأربعة الماضية، وخصوصاً العامين الماضيين، عقب حزمة قرارات إصلاحية كبيرة ضخها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عراب رؤية المملكة 2030، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلا أن منظمات حقوقية لا تزال تكيل بمكيالين تجاه المملكة في محاولة يائسة لتشويه المنجزات الوطنية الكبيرة. ويخيم على تقارير المنظمات الحقوقية «المدفوعة» التي تتناول المملكة، انعدام مخيف للمصداقية، واعتماد على أحادية المصادر، التي عادة ما تكون في سعي حثيث لتشويه صورة المملكة خارجياً، ما يخل بالمنهج التوثيقي عند تلك المنظمات. ومع فقدان الموضوعية في تناول الملف الحقوقي السعودي، تستند كثير من تلك التقارير إلى معلومات كاذبة ومغلوطة مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، ما يضع مصداقية تلك المنظمات على المحك! ويرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى الدكتور زهير الحارثي أن الوجه القبيح لمنظمات حقوق الإنسان يكمن في تسييسها واستغلالها لجلب مصالح أو منافع، لافتاً إلى أن مفهوم حقوق الإنسان شكل في وقتنا الراهن مصدراً جديداً للشرعية، بل تحدياً للأفكار التقليدية للمدرسة الواقعية حول العلاقات الدولية، ما نتج عنه تحول في مفهوم الدولة وواجباتها. وهو الذي جعل من الرقابة الدولية أمراً مطلوباً، لتصبح حماية حقوق الإنسان قانوناً وواقعاً بعدما كانت شعاراً مثالياً. توجهات المعد ويقول الدكتور الحارثي ل«عكاظ» إنه من خلال تجاربه لمس خروجا عن السياق لمنظمات حقوقية لها مكانة وتاريخ في بعض تقاريرها، عازياً الأمر إلى توجهات من معد التقرير وادعائه بصحة كل ما فيه، مشيراً إلى أنه «هنا تكمن الإشكالية. المواقف الشخصية لهذا الشخص أو ذاك يكون لها تأثير واضح على سياق وإعداد التقرير ويمكن أن تتضخم المعلومات وتُهوّل وفقا لتوجهاته». ويلفت الحارثي إلى أن بعض المنظمات متخمة بما أسماه «العناصر المريضة»، مضيفاً «بعضهم عرب للأسف، ممن لهم مواقف معينة من بعض الدول، إذ لا يزالون يستغلون التقارير الحقوقية لتشويه سمعة هذا البلد أو ذاك». ويقلل الحارثي، الذي سبق أن كان عضواً بمجلس هيئة حقوق الانسان والمتحدث باسمها، من التقارير الحقوقية السنوية الصادرة عن وزارات الخارجية للدول كونها مسيسة، وأن السياسي يطوع الملف الحقوقي لأجندته، إذ يستغله لمآرب معينة، وبالتالي يفرض ضغوطا وإملاءات على هذه الدولة أو تلك لأجل تحقيق مصالحها ولو كان بشكل غير مشروع. انتقائية وازدواجية ويضيف «من يمعن في التحولات الثقافية والاجتماعية والصراعات والحروب وما نتج عنها من اهتمام بحقوق الإنسان، يصل إلى قناعة واضحة تتمثل في وجود قواسم مشتركة بين ما جاءت به الأديان والشرائع وما توصلت إليه الثقافات والحضارات من مفاهيم ومبادئ، هناك مفارقة بين مفاهيم حقوق الإنسان العالمية وبين أساليب بعض دول الغرب التي تتمظهر بشكل سافر في الانتقائية وتطبيق المعايير المزدوجة». ويؤكد أنه عادة ما ينكشف هذا الخلل عندما تمارس هذه الحقوق داخل بلدانها، في حين أنها تتجاهلها عندما تتعامل بها خارج بلدانها أو تمارسها مع الغير، مضيفاً نقطة أخرى تتعلق باحترام ثقافات الشعوب «ما يعتقده الغرب أنه انتهاك حقوقي قد يراه هذا المجتمع المسلم أنه من صميم ثقافته وقناعاته ومعتقداته». غياب الاعتبارات الدينية ويشدد على أن المشكلة تكمن أيضاً في عدم مقدرة التمييز في نوعية الأطروحات مع المسلمين، أو مع الدول التي تطبق الشريعة تحديداً. ويؤكد أن كثيرا من المنظمات لا تأخذ في الاعتبار الأبعاد الدينية والثقافية والفكرية للمجتمعات. واستدل ب«مبادئ القانون الدولي» التي تعطي الحق السيادي لكل دولة في أن تصوغ نظامها الجنائي والقانوني وفقا لتركيبتها الثقافية والفكرية والاجتماعية. من جهته، لا يخفي رئيس المركز العربي للحقوق عضو مجلس الشورى الدكتور هادي اليامي امتعاضه من اتخاذ منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان من الملف الحقوقي ذريعة لتحقيق أهداف خاصة بعيدة كل البعد عن مهمتها الأساسية وتستخدمها كورقة ضغط لتمرير أجندة سياسية، مستشهداً بإصدار عدد من المنظمات تقارير ضعيفة تفتقر إلى أبسط معايير المهنية المرعية في هذه الحالات. وانتقد اليامي في حديثه إلى «عكاظ» استعانة تلك المنظمات بعناصر وصفها ب«الفقيرة أكاديميا» التي لا تمتلك أي رصيد أو خبرات تراكمية يمكنها من إصدار حكم على أي حالة حقوقية، مضيفاً «كما شاهدنا في مرات كثيرة آخرها تقرير لجنة الخبراء الذي صدر خلال الفترة الماضية والذي أعده ناشطون وفاعلون سياسيون لا علاقة لهم بالقانون والملف الحقوقي من قريب أو بعيد، لذلك جاءت فقرات التقرير انفعالية لا تحمل صبغة تشير إلى أن من أعدوه يملكون المعرفة والقدرة اللازمة». تقارير صفراء وأكد اليامي أن الجميع يعلم أن تلك المنظمات فقدت مصداقيتها ولم تعد تجد من يلقي بالا لتقاريرها الصفراء التي لا أثر فعليا لها على أرض الواقع، كونها تقارير مضللة، لافتاً إلى أن المثير للاستغراب أنها تتناقض مع قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتتقاطع معها بصورة محيرة «لذلك لم يعد لتلك المنظمات ولا لتقاريرها من أثر قانوني أو سياسي». وهاجم انتقائية عدد من المنظمات وسياسة الكيل بمكيالين، مستشهداً بالتقارير التي تتناول النزاع اليمني «لقد أحجمت عن إدانة محاولات الميليشيات الحوثية لإطلاق صواريخ باليستية على المدن والقرى السعودية، كما رفضت توجيه الإدانة للنظام الإيراني الذي يجاهر بأنه يمد الحوثيين بتلك الصواريخ في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي». يأس مكشوف واعتبر اليامي أن محاولات تلك المنظمات تشويه صورة سجل المملكة في ملف حقوق الإنسان، على نحو ما نشاهده هذه الأيام «محاولة بائسة ومكشوفة» تهدف إلى ممارسة الضغوط على التحالف العربي، ووقف النجاحات المتواصلة التي تحققها قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني والهزائم المتلاحقة التي تلحقها بقوى التمرد. اختفاء خاشقجي.. سقطة جديدة لسجل متخم ب«الكذب» يبدو أن الاستشهاد بفقدان بعض المنظمات الحقوقية للمصداقية وحالة التأزم الذي تعانيه حيال المملكة، ليس أمراً صعباً، إذ تكفي مراجعة بياناتها وتقاريرها السنوية، ليعرف الباحث كمية الخلل المنهجي الذي يعتري عمل تلك المنظمات. ولعل حادثة اختفاء جمال خاشقجي المثيرة للغموض، عرت منظمات حقوقية عدة، إذ اعتمدت في بياناتها على عشرات الروايات الكاذبة التي ضخها أبواق النظام القطري وتنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي، ولم تتطرق على الإطلاق إلى وجهة النظر السعودية المتمثلة في القنصلية السعودية في إسطنبول. وذهبت تلك المنظمات رأساً لتبنّي روايات أبواق النظام القطري و«الإخونج»، الذين تراجعوا عنها فيما بعد، ليضعوا تلك المنظمات في موقف محرج، ولتؤكد للسعوديين مدى هشاشة عملها وفقدانها للمصداقية منذ زمن. وبرعونة ظلت تلاحق منظمة العفو الدولية في تقاريرها وبياناتها عن المملكة، بنت المنظمة موقفاً منحازاً للروايات الكاذبة التي لا تتخطى كونها تقارير إعلامية مفبركة لا تستند إلى حقائق، لتهاجم السعوديين دون خجل، ولتؤكد وصف الأمير تركي الفيصل، الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات السعودية بين عامي 1977 و2011 ثم سفيراً في لندن ومن بعدها واشنطن، للمنظمة في لقاء مع قناة ألمانية ب«أنها منظمة الشر الدولية»، لأن لديها تاريخا طويلا من النظرة السلبية والمتحيزة ضد المملكة. كما أن منظمة هيومن رايتس ووتش بنت موقفاً متحيزاً ضد السعودية في قضية اختفاء المواطن السعودي في إسطنبول، وبنت موقفها على روايات كاذبة يقف وراءها إعلام الإخوان المسلمين الممول قطرياً، وماكينة الدعاية القطرية. وطالما اعتمدت تلك المنظمتان على تقارير إعلامية تضخها وسائل إعلام مناهضة للمملكة، واستقت معلوماتها (أحادية المصدر) من شخصيات عربية «إخوانية» في العواصم الأوروبية مناهضة للمملكة تقدم نفسها على أنها «معنية بحقوق الإنسان»! وأمام السقطات العديدة لتلك المنظمات الحقوقية، يبقى السؤال عن مدى جديتها في تقصي الحقائق، والعمل بمعزل عن الأجندات المشبوهة في تناول ملف حقوق الإنسان في العالم. مختص في الدراسات القضائية: حملات مفضوحة أكد أستاذ الدراسات القضائية والقانونية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسن بن محمد سفر أن ما تتعرض له المملكة من حملات مسمومة من وقت لآخر تفتقر لأبسط المعايير القانونية والأخلاقية في القانون الدولي. وقال الدكتور سفر ل«عكاظ» «نفترض في القانون الدولي وأنظمته المصداقية وبناء الحكم على حقائق مدعمة بالأدلة وإلا أصبحت مثار السخرية والألاعيب التي تحرك بشراء الذمم والمصالح الخاصة وخلق افتراءات وأكاذيب مختلقة تمليها الضمائر الساقطة والنفعية المادية والمنحرفة أخلاقيا خصوصا إذا سخرتها وحركتها الأجندات المفلسة بدافع الحقد والافتراءات المكذوبة الممولة بالمال لخلق أجواء من التوتر وأبواق قذرة تجاه طود شامخ هو المملكة العربية السعودية». وأشار سفر، الذي يعمل خبيراً بمجمع الفقه الإسلامي الدولي والمحكم القضائي الدولي، المملكة قامت على إرث شرعي، وتقوم على أسس تشريعية وقانونية لحماية الإنسان وحقوقه والالتزام بمبادئ وقواعد السلم والسلام والعدل والحرية التي دعت اليها أحكام الشريعة الإسلامية. وأضاف «الأنظمة السعودية تكرم الإنسان وتحمي حقوقه، فالاهتمام الحقوقي للإنسان اهتمت به الدولة منذ تأسيسها علي يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبعده أبناؤه الملوك رحمهم الله، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أوليا الجوانب الحقوقية جل الرعاية والاهتمام من خلال تشريعات تمنع التجريم والانتهاك والإيذاء المادي أو المعنوي والاضطهاد والمعاملة القاسية ووجوب تحقيق مبدأ المساواة والعدالة». أجندات مكشوفة ومفضوحة.. وكَيْل بمكيالين لفت الموثق في وزارة العدل القاضي بالمحكمة الدولية لتسوية المنازعات التجارية، المحامي صالح مسفر الغامدي، إلى أن ثمة منظمات معنية بحقوق الإنسان تستغل الملف الحقوقي ذريعة لتحقيق أجندة مشبوهة باتت مكشوفة للعالم، مؤكداً أنها تسعى النيل من المملكة والإساءة لها كون تلك المنظمات تفتقر لأبسط قواعد العدالة وتحولت إلى أبواق مأجورة تديرها أجهزة استخبارات كنوع من الحرب الإعلامية. وقال المحامي الغامدي ل«عكاظ» إن في حديث ولي العهد الأخير مع وكالة بلومبيرغ ما يفند المزاعم المشبوهة والكيل بمكيالين من بعض الجهات الحقوقية. وقالت المستشارة الإدارية والمهتمة بقضايا حقوق الإنسان، ميمونة بلفقيه، إن ما تتعرض له المملكة من وقت لآخر تحت ستار حقوق الإنسان لا يعدو من كونه فقاعات تتولاه منظمات مشبوهة وأبواق إعلامية مرتزقة تقدم معلومات مغلوطة من حين لآخر. وهاجمت بلفقيه سياسة النظرة المزدوجة في تقييم الأوضاع من خلال قلب الحقائق إذا تعلق الأمر بالسعودية وغض النظر عنها إذا تعلقت بدول أخرى تمارس تجاوزات حقوقية وإنسانية، وهي محالاوت مكشوفة لتشويه الصورة الناصعة للمملكة من خلال التعرض لسجلها الإنساني والحقوقي والاجتماعي الذي يعد نهجا قويما في تعامل المملكة على كافة الأصعدة.