ثمة مفارقة بين مفاهيم حقوق الإنسان العالمية وبين أساليب بعض دول الغرب التي تتمظهر بشكل سافر في الانتقائية وتطبيق المعايير المزدوجة، ينكشف هذا الخلل عندما تمارس هذه الحقوق داخل بلدانها، في حين أنها تتجاهلها عندما تتعامل بها خارج بلدانها أو تمارسها مع الغير.. حقوق الإنسان غاية سامية ومبتغى تتطلع إليه البشرية، ما يعني أن لها وجهاً جميلاً وناصعاً طالما ارتهنت للمصداقية وحقائق الأمور ونقل الواقع كما هو، ولكن بالمقابل إن أردنا الحقيقة لها وجه قبيح ومعنى رخيص أيضاً وذلك حينما يتم تسييسها واستغلالها لجلب مصالح أو منافع. ومع ذلك مفهوم حقوق الإنسان شكل في وقتنا الراهن مصدراً جديداً للشرعية، بل وتحدياً للأفكار التقليدية للمدرسة الواقعية حول العلاقات الدولية، ما نتج عنه تحول في مفهوم الدولة وواجباتها وجعل من الرقابة الدولية أمراً حتمياً، لتصبح حماية حقوق الإنسان قانوناً وواقعاً بعدما كانت شعاراً مثالياً. غير أنه ومن تجربتي المتواضعة لمست أن هناك منظمات حقوقية مرموقة ومستقلة لها مكانة ومصداقية وتاريخ وتلتزم بالمبادئ التي لا تحيد عنها حين إصدار تقاريرها الدورية، ومع ذلك تخرج عن السياق المهني أحياناً نظراً لتوجهات من قام بإعداد التقرير وادعائه بصحة كل ما فيه، وهنا تكمن الإشكالية حيث ينعكس ذلك على مصداقية ومكانة المؤسسة نفسها. المواقف الشخصية لهذا الشخص أو ذاك يكون لها تأثير واضح على سياق وإعداد التقرير ويمكن أن تتضخم المعلومات وتُهوّل وفقاً لتوجهاته، رغم أن هناك آليات محددة في تمرير مثل هذه التقارير في المنظمات المرموقة إلا أنها تضع المسؤولية على من قام به، والحقيقة أنها رزئت ببعض العناصر المريضة وبعضهم عرب للأسف من لهم توجهات ومواقف معينة من بعض الدول حيث لا ينفكون استغلال التقارير الحقوقية لتشويه سمعة هذا البلد أو ذاك. أما التقارير الحقوقية السنوية الصادرة عن وزارات الخارجية للدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها فليس سراً -وهذا يعرفه المتابعون- أن أغلبها إن لم تكن كلها مسيسة نظراً لتغلغل السياسة وتطويع الملف الحقوقي للأجندة السياسية للدولة التي تُصدر التقرير حيث تستغله لمآرب محددة، وبالتالي ومن خلال بروباغندا التقرير تفرض ضغوطاً وإملاءات على هذه الدولة أو تلك لأجل تحقيق مصالحها ولو كان بشكل غير مشروع. المثير للاستغراب أن هناك بعض الدول لا سيما عندما يصل فيها اليسار للسلطة فإن حكوماتها تتلقف مثل هذه التقارير وتجيرها لأجندتها السياسية عبر إصدار بيانات تندد فيها بالانتهاكات الحقوقية المزعومة ضد من تريد إخضاعه وابتزازه فضلاً عن ملاحقتها تقارير المنظمات الحقوقية ضد هذه الدولة أو تلك وتروجها على أنها صحيحة دون حتى التنويه لاحتمالية الخطأ. والمضحك المبكي أن من يستمع لتلك البيانات يعتقد أن ملفها الحقوقي ناصع البياض مع أن الواقع يقول خلاف ذلك، وبالتالي كان محقاً من قال: لا ترمي بيوت الناس بالحجارة وبيتك من زجاج! ثمة مفارقة بين مفاهيم حقوق الإنسان العالمية وبين أساليب بعض دول الغرب التي تتمظهر بشكل سافر في الانتقائية وتطبيق المعايير المزدوجة، ينكشف هذا الخلل عندما تمارس هذه الحقوق داخل بلدانها، في حين أنها تتجاهلها عندما تتعامل بها خارج بلدانها أو تمارسها مع الغير، نقطة أخرى تتعلق باحترام ثقافات الشعوب فكما ذكرت سابقاً أن ما يعتقده الغرب أنه انتهاك حقوقي قد يراه هذا المجتمع المسلم أنه من صميم ثقافته وقناعاته ومعتقداته كتطبيق عقوبة الإعدام في الإسلام والغرب على سبيل المثال. الغرب يتكلم لغة مختلفة حين يأتي الأمر على حقوق بعض الشعوب أو الأقليات المسلمة في بعض الدول الأوروبية فضلاً عن ممارسات إرهاب الدولة كإسرائيل مع إخواننا الفلسطينيين، إشكالية الغرب تحدث عندما يدخل في صراع بين المبادئ والقيم مع المصالح والمكاسب، صحيح أن الغرب يطرح أفكاراً تنويرية، وهذا محل تقدير واهتمام من حيث المبدأ، إلا أن المشكلة تحدث حينما لا يقدر على التمييز في نوعية الطروحات مع المسلمين، أو مع الدول التي تطبق الشريعة تحديداً، نحن نتفهم حماس تلك المنظمات التي تنطلق في دعوتها من زاوية حقوقية وإنسانية بحتة، ولكن إشكاليتها أنها لا تأخذ في الاعتبار الأبعاد الدينية والثقافية والفكرية للمجتمعات رغم أن مبادئ القانون الدولي تعطي الحق السيادي لكل دولة في أن تصوغ نظامها الجنائي والقانوني وفقاً لتركيبتها الثقافية والفكرية والاجتماعية. Your browser does not support the video tag.