في الوقت الذي وجدت فيه السلطات القطرية عذراً بات يسبب الكثير من القلق للمنظمات الحقوقية، وأسر العاملين في قطر الذين لا تتجاوز عادة رواتبهم 175 يورو، من خلال إرجاعها حالات الوفاة للعمال في مشاريع ملاعب قطر إلى «قصور في القلب»، الذي أكد تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان «المقلق لعمّال كأس العالم 2022، في قطر»، أن الصيغة التعويضية لسبب الوفاة، والتي عادة ما تتسبب بها صدمة فرط الحرارة مما يؤدي إلى السكتة القلبية. وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن حالة قطر، ولّدت هذه الأعمال اهتماما فوريا لها. وأوضحت «لوموند» أن الحرارة الشديدة التي تحتدم في قطر خلال فصل الصيف، بدرجات حرارة تتجاوز 50 درجة، سببت العديد من الوفيات في مواقع البناء، مشيرة إلى أن العالم صُدم من فكرة أن مئات الآلاف من المهاجرين الآسيويين العاملين في مشاريع كأس العالم يُذبحون في ظروف قريبة من «العبودية»، الأمر الذي دفع بمنظمات حقوق الإنسان لدق ناقوس الخطر. وأشارت الصحيفة إلى أنه في تحقيقات مدوية قامت بها صحيفة الغارديان في 2013، أكد الاتحاد النقابي الدولي خلالها (CSI) أن 4 آلاف عامل معرضون لخطر الهلاك في قطر بحلول المباراة الافتتاحية في عام 2022، موضحة أن التحقيق لم يعارضه سوى المسؤولين المحليين في قطر، بعد أن حصلت «الغارديان» عليه من الإحصاءات الرسمية في عام 2012، والتي كشفت فناء 520 عاملا من نيبال والهند وبنغلاديش، من بينهم 385 حالة وفاة غامضة. وأشارت اللوموند إلى أن العمال القادمين من نيبال والهند وبنغلاديش يشكلون ثلاثة أرباع القوى العاملة في قطر، والذين يُقدر عددهم بنحو مليوني شخص. والتقت لوموند 5 شباب نيباليين عملوا في استاد الوكرة، ولم يشهد أي منهم حادثة قاتلة، وقال أحدهم إنه سمع بمثل هذه الحالة في بداية العمل فقط. وقال أحد العاملين في إنشاء الملاعب يدعى سوشانت، يبلغ من العمر 21 عاما، وعمل لمدة عام ونصف في موقع بناء الملعب: «عليك التركيز كثيرا، فالعمل شديد الخطورة، في بعض الأحيان نعمل في ارتفاعات عالية جدا، أصغر قطعة تسقط منك يمكن أن تسبب ضررا هائلا». وتدرك اللجنة المنظمة لكأس العالم، والتي تشرف على بناء الملاعب الجديدة ال8 لعام 2022، أنها في مرمى هدف المنظمات غير الحكومية والإعلام، الأمر الذي جعلها تخضع الشركات التي فازت بالعقود لمواصفات أكثر تقييدا من المتوسط. الشركات العملاقة في عالم البناء، التي تواجه خطر فقدان سمعتها، أمام ضمان الامتثال لمعايير السلامة ورفاهية العمال. ويبدو أن التحسينات الطفيفة والشكلية في كثير من الجوانب أقنعت منظمة العمل الدولية (OIT) بإغلاق قضية «العمل القسري»، التي تخضع للتحقيق منذ عام 2014 ضد قطر. وجاء في أصل شكوى «العمل القسري» لعام 2014، أن نقابيي الاتحاد الدولي لنقابات العمال أنفسهم مقتنعون بأن هناك نقطة تحول قيد التنفيذ. وأوضح الخبير السابق في هيومن رايتس ووتش نيكولاس ماكغيهان أن سنوات مرت على الوعود القطرية إلا أن قطر لم يتبق أمامها سوى 4 سنوات على كأس العالم، دون أن تثبت للعالم أنها تسير في الاتجاه الصحيح. وفي الوقت الذي يتجاهل الاتحاد الدولي لنقابات العمال قضية الضحايا في العمل في قطر، لا يزال التعتيم مغيما، إذ لم تنشر الحكومة القطرية أي إحصاءات منذ عام 2012، إلا أنها عام 2016، وبعد الضغط من قبل هيومان رايتس ووتش، اعترفت بمقتل 35 عاملا. وكانت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم أعلنت من جانبها مقتل 10 عمال بين أكتوبر 2015 ويوليو 2017 من بين عمال الملاعب، 8 منهم اعتبروا «خارج العمل». ومع ذلك، وفي عام 2016، وردا على إحدى المنظمات غير الحكومية في نيودلهي، كشف الممثلية الهندية في قطر أن 241 من رعاياها قد ماتوا في عام 2013، و279 خلال عامي 2014 و2015، وفيات نادرا ما تكون طبيعية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الفئة من الشباب صغيري السن. ويُفسر التناقض في الأرقام المقدمة إلى هيومان رايتس ووتش حقيقة أن غالبية حالات الاختفاء هذه توصف بأنها «غير مبررة»، أو تنسب إلى «قصور في القلب»، صيغ تعويضية تسمح للحكومة بعدم احتسابها كحوادث في مكان العمل. ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن الفرن الحقيقي يكمن في قطر خلال فصل الصيف والذي يمكن أن يسبب صدمة فرط الحرارة مما يؤدي إلى السكتة القلبية. وذكر صحفي نيبالي سابق، موجود في قطر منذ 10 سنوات، أن الشركات في قطر تواصل انتهاك التشريعات التي تحظر العمل في الهواء الطلق خلال الساعات الأكثر سخونة في الصيف. وقال نيكولاس ماكغيهان: «من الغريب أننا ما زلنا لا نعرف عدد العمال الذين ماتوا منذ عام 2012، ولماذا؟ ويجب على FIFA أن تطالب الحكومة القطرية بتسليط الضوء على هذه القضية». وأشار سائق سيارة الأجرة النيبالي رام، إلى أنه منذ عام 2011، توفي 4 أشخاص من قريته في قطر، لافتا إلى أن شقيقه وعمه توفيا نتيجة حادثة على الطريق الذي يعملون فيه، واثنين من الجيران، واحد عن طريق الانتحار، وفقا للنسخة الرسمية، والآخر وهو نائم، كما هو الحال في كثير من الأحيان بسبب صدمة فرط الحرارة، وقال: «نحن النيباليون لسنا بالشيء الكبير في قطر». في ظروف أقرب ما تكون إلى «العبودية» يصدم العالم من فكرة أن مئات الآلاف من المهاجرين الآسيويين العاملين في مشاريع كأس العالم في قطر، يواجهون الموت أثناء تشييدهم للملاعب التي ستحتضن مونديال قطر 2022، وسط التكتم القطري حيال أعداد الوفيات، والأرقام المغلوطة التي تذكرها السلطات القطرية لمنظمات حقوق الإنسان، داخل الإمارة التي راح فيها أكثر من 520 عاملا، 385 منهم في ظروف غامضة.