في ظروف أقرب ما تكون إلى «العبودية» يصدم العالم من فكرة أن مئات الآلاف من المهاجرين الآسيويين العاملين في مشاريع كأس العالم في قطر، يواجهون الموت أثناء تشييدهم للملاعب التي ستحتضن مونديال قطر 2022، وسط التكتم القطري حيال أعداد الوفيات، والأرقام المغلوطة التي تذكرها السلطات القطرية لمنظمات حقوق الإنسان، داخل الإمارة التي راح فيها أكثر من 520 حالة وفاة، 385 منهم في ظروف غامضة. وفي الوقت الذي وجدت فيه السلطات القطرية عذراً بات يسبب الكثير من القلق للمنظمات الحقوقية، وأسر العاملين في قطر الذين لا تتجاوز عادة رواتبهم 175 يورو، من خلال إرجاعها حالات الوفاة للعمال في مشاريع ملاعب قطر إلى «قصور في القلب»، الذي أكد تحقيق صحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان «المقلق لعمّال كأس العالم 2022، في قطر»، أن الصيغة التعويضية لسبب الوفاة، والتي عادة ما تتسبب بها صدمة فرط الحرارة مما يؤدي إلى السكتة القلبية. وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن المتحدثين بالإعلام لا يهتمون عادة بالتقدم في البناء إلا في الأشهر التي تسبق المنافسة، حيث يتساءل المراقبون بشكل اعتيادي عما إذا كانوا «جاهزين في الوقت المناسب». إلا أن حالة قطر، ولّدت هذه الأعمال اهتمامًا فوريًا لها. وأوضحت «لوموند» أن الحرارة الشديدة التي تحتدم في قطر خلال فصل الصيف، بدرجات حرارة تتجاوز 50 درجة، سببت العديد من الوفيات في مواقع البناء. إضافة إلى نظام الكفالة الذي يربط العمال الأجانب بأصحاب العمل، والذي يخضعهم لرغبة الكفلاء في تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد، مشيرة إلى أن العالم صُدم من فكرة أن مئات الآلاف من المهاجرين الآسيويين العاملين في مشاريع كأس العالم يُذبحون في ظروف قريبة من «العبودية»، الأمر الذي دفع بمنظمات حقوق الإنسان جق ناقوس الخطر، مطالبين بإلغاء الكفالة. وأشارت الصحيفة إلى أن في تحقيقات مدوية قامت بها صحيفة الجارديان في 2013، أكد الاتحاد النقابي الدولي خلالها (CSI) أن4000 عامل معرضين لخطر الهلاك في قطر بحلول المباراة الافتتاحية في عام 2022.، موضحة أن التحقيق لم يعارضه سوى المسؤولين المحليين في قطر، بعد أن حصلت «الجارديان» عليه من الإحصاءات الرسمية في عام 2012، والتي كشفت عن فناء 520 عامل من نيبال والهند وبنغلاديش، من بينها 385 حالة وفاة غامضة. وأشارت اللوموند إلى أن العمال القادمين من نيبال والهند وبنغلاديش يشكلون ثلاثة أرباع القوى العاملة في قطر، والذين يُقدر عددهم بنحو مليوني شخص. والتقت لوموند خمسة شباب نيباليين عملوا في استاد الوكرة، والذين كانوا قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية، خارج نطاق سيطرة رؤسائهم. حيث لم يشهد أي منهم حادثة قاتلة، وقال أحدهم أنه سمع بمثل هذه الحالة في بداية العمل فقط. وقال أحد العاملين في إنشاء الملاعب يدعى سوشانت، يبلغ من العمر 21 عامًا، وعمل لمدة عام ونصف في موقع بناء الملعب: «عليك التركيز كثيرًا، فالعمل شديد الخطورة، في بعض الأحيان نعمل في ارتفاعات عالية جدًا، أصغر قطعة تسقط منك يمكن أن تسبب ضررًا هائلاً، وكانت هناك إصابات طفيفة في الآونة الأخيرة، ولكن لم تحدث وفيات». أما تك، الذي يعمل سائق شاحنة ويبلغ من العمر 31 عاماً عمل لمدة سبعة أشهر في الوكرة، يرى من جانبه، أن "الأمن مُشدد عليه للغاية". وتدرك اللجنة المنظمة لكأس العالم، والتي تشرف على بناء الملاعب الجديدة الثمانية لعام 2022، أنها في مرمى هدف المنظمات غير الحكومية والإعلام، الأمر الذي جعلها تخضع الشركات التي فازت بالعقود لمواصفات أكثر تقييدًا من المتوسط. الشركات العملاقة في عالم البناء، التي تواجه خطر فقدان سمعتها، امام ضمان الامتثال لمعايير السلامة ورفاهية العمال. وأشارت إلى ان التحسينات الطفيفة، والتي تفيد بشكل خاص عمال الملاعب، تشهد على الجهود التي تبذلها السلطات المحلية، أقنعت منظمة العمل الدولية (OIT) بإغلاق قضية «العمل القسري»، التي تخضع للتحقيق منذ عام 2014 ضد قطر وفي المقابل، افتتحت هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة مكتبًا في الدوحة، مهمتها مرافقة قطر نحو إلغاء الكفالة، ووضع الحد الأدنى للأجور، الذي حُدِد حاليًا ب 750 ريال قطري (176 يورو)، وهو مبلغ بخس حتى لو كان يشمل السكن والطعام والنقل. وجاء في أصل شكوى «العمل القسري» لعام 2014، أن نقابيو الاتحاد الدولي لنقابات العمال نفسهم مقتنعون بأن هنالك ثمة نقطة تحول قيد التنفيذ، وأوضح الخبير السابق في هيومن رايتس ووتش نيكولاس ماكغيهان أن سنوات مرت على الوعود القطرية بإلغاء الكفالة، إلا أن قطر لم يتبق أمامها سوى أربع سنوات على كأس العالم، دون أن تثبت للعالم أنها تسير في الاتجاه الصحيح وفي الوقت الذي يتجاهل الاتحاد الدولي لنقابات العمال قضية الضحايا في العمل في قطر، لا يزال التعتيم مغيمًا حيث لم تنشر الحكومة القطرية أي إحصائيات منذ عام 2012، إلا أنها عام 2016، وبعد الضغط من قبل هيومان رايتس ووتش، اعترفت بمقتل خمسة وثلاثين عامل. وكانت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم قد أعلنت من جانبها عن مقتل عشرة عمال بين أكتوبر 2015 ويوليو 2017 من بين عمال الملاعب، ثمانية منها اعتبرت «خارج العمل». ومع ذلك، وفي عام 2016، وردًا على إحدى المنظمات غير الحكومية في نيودلهي، كشف الممثلية الهندية في قطر عن أن 241 من رعاياها قد ماتوا في عام 2013، و279 خلال عامي 2014 و2015. وفيات نادرًا ما تكون طبيعية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الفئة من الشباب صغيرة في السن. ويُفسر التناقض في الأرقام المقدمة إلى هيومان رايتس ووتش بحقيقة أن غالبية حالات الاختفاء هذه توصف بأنها «غير مبررة»، أو تنسب إلى «قصور في القلب». صيغ تعويضية، تسمح للحكومة بعدم احتسابها كحوادث في مكان العمل. ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن الفرن الحقيقي يكمن في قطر خلال فصل الصيف والذي يمكن أن يسبب صدمة فرط الحرارة مما يؤدي إلى السكتة القلبية. وذكر صحفي نيبالي سابق، موجود في قطر منذ عشر سنوات، أن الشركات في قطر تواصل انتهاك التشريعات، التي تحظر العمل في الهواء الطلق خلال الساعات الأكثر سخونة في الصيف«. وقال نيكولاس ماكغيهان:»من الغريب أننا ما زلنا لا نعرف عدد العمال الذين ماتوا منذ عام 2012 ولماذا". ويجب على FIFA أن تطالب الحكومة القطرية بتسليط الضوء على هذه القضية". وأشار سائق سيارة الأجرة النيبالي رام، إلى أنه منذ عام 2011، توفي أربعة أشخاص من قريته في قطر، لافتاً إلى أن شقيقه وعمه توفيا نتيجة حادث على الطريق الذي يعملون فيه، واثنين من الجيران، واحد عن طريق الانتحار، وفقًا للنسخة الرسمية، والآخر وهو نائم، كما هو الحال في كثير من الأحيان بسبب صدمة فرط الحرارة، وقال: «فنحن النيباليين لسنا بالشيء الكبير في قطر».