أما من ماتوا فهم قد أفضوا إلى ما قدموا، وما يخطه الكاتب من سيرة الراحلين فهو في الحقيقة كمن يضيء النور للأحياء المعاصرين وللأجيال القادمة، وهو يفتح الباب من جديد رغم رحيل من رحل عن القضايا التي عايشوها، والتي عاشت معهم وعاشت بعدهم، كما يذكر الكاتب قصص الذين رحلوا، وينثر في الوقت نفسه شجونه وأحزانه على من غاب من أحباء قلبه تحت الثرى. ففي الكتاب رثاء نحو 10 من عائلة المؤلف آل القاضي، لأن دمعته جارية على أصحابه فما بالك بأقربائه من أعمام وأخوال. وفي الكتاب أيضاً مقالات عن نحو 10 سيدات، منهن «صيتة الدامر» زوجة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمهما الله.. وقد وصفها الكاتب بأنها كانت كثيرة الإنفاق مستخفية بذلك حتى لا تعلم شمالها ما أنفقت يمينها، وحكى أنها كانت تذهب وهي صحيحة البدن بنفسها إلى بيوت الفقراء في أحياء الرياض المحتاجة دون أن يعرفها أحد سوى سائقها، وكانت تطرق الأبواب على الأرامل والفقراء والأيتام فتعطيهم مما أعطاها الله من غير أن يعلموا أن هذه المرأة الكريمة هي «زوجة الملك». وزاد الأستاذ القاضي بأن الأميرة صيتة كانت تنفق ما بيدها إيمانا بأنه سيبقى لها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفي الكتاب رثاء حصة بنت صالح العليان وهي خالة المؤلف.. وقد قال عنها: لقد كانت هذه الراحلة أم محمد الصالح عنوانا للصبر وسماحة النفس، لقد عاشت حياتها عابدة لربها راعية لأولادها، مكرمة لزوجها رحمه الله متواصلة مع الصغير والكبير من أقاربها، لقد عانت من المرض في السنوات الأخيرة، فكانت صابرة لا تشكو إلا لله ولا تتضرع إلا إليه وقد لقيت بحمد الله من البر والوفاء والرعاية ما أراح نفسها سواء في أوقات صحتها وعافيتها أم إبان كبرها ومرضها. ورثى الكاتب خاله عبدالله العليان قائلا: «هذا الفقيد العزيز كان لا يقول إلا خيراً، ولا يصنع إلا براً، ولا يمشي في طريق إلا وهو طريق خير كما عرفه كل من تعامل معه، أو عاشره، أو كان له أدنى صلة به. كان رحمه الله كثير الخطى إلى المساجد، متعلقاً بالكتاب العظيم، وكان أنموذجاً في صلة الرحم مع الصغار والكبار، مع الأبعدين والأقربين، بل كان يحرجنا كأقارب أصغر منه سناً باتصاله وتواصله وزياراته، مع أن الحق له عمراً ومقاماً وقدراً، ولكنه كان المتفضل دائماً رحمه الله». أما كتابة المؤلف عن رجال من أسرته فهؤلاء أقرب الناس إليه ويعرف من سيرتهم الشيء الكثير كما يعرف ما واجهوه من متاعب الحياة الدنيا وإشكالاتها. وهو إذ يبكي على محاسن الرجال والنساء الذين رحلوا فإنه يُذكِّر الجيل الحاضر بمكارم الأخلاق وبالسجايا الحسنة التي كان يتحلى بها هؤلاء المترجم لهم عسى أن ينتفع الأحياء بهذه المحاسن التي تقربهم إلى الناس وإلى ربهم تبارك وتعالى. والكتاب يستحق المزيد من التنويه لكن يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق. وشكراً للأستاذ حمد القاضي على إهدائه الكريم. السطر الأخير سليم دواعي الصدر لا باسطا أذى ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً فُجرا. [email protected]