يشكل خلق فرص العمل هاجساً لجميع دول العالم، وغالبا ما تتمحور حول هذا الموضوع معظم سياساتها الاقتصادية، وإن كانت تتفاوت فيما بينها في كفاءة خلق فرص العمل مثلما تتفاوت بتكاليف متوسط خلق هذه الفرص، وتكاليف كل فرصة في كل قطاع مقارنة بالقطاع الآخر. في الولاياتالمتحدة مثلاً، ووفقاً لمؤسسة «مقهى كريمون كاب كوفي»، فإن إقامة مقهى مزود بمقاعد جلوس يمكن أن يكلف ما بين 80 - 205 آلاف دولار، شاملة أجور المحل وتكاليف التشغيل واحتياطي المرتبات وضرائب الدخل وغيرها، وعادة ما يتم توظيف ما بين 3 -7 أشخاص بالمقهى الواحد، وهو ما يعني أن تكلفة خلق وظيفة «جرسون» في هذا البلد تحتاج إلى استثمارات تتراوح ما بين 25 -35 ألف دولار. «ديفيد روبالينو» من البنك الدولي بالتعاون مع «محمد المرواني» من جامعة السوربون، قاما ببحث استخدما فيه نماذج المعادلات الحسابية المتبعة لتقدير عدد الوظائف التي يمكن استحداثها في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد المختلفة وتكاليفها، وطبقاها على بلدين، اخترت لكم منهما تونس، حيث توصل الباحثان إلى أن استثمار 10 ملايين دولار تكفي لتوظيف 620 شخصا في قطاع الاتصالات، فيما يقل العدد إلى 500 شخص في مجال الطعام والغذاء، ويستمر العدد بالتناقص تباعا حسب تكاليف كل قطاع، فهذا المبلغ يكفي لتوظيف 450 شخصا في الزراعة والغابات، و300 شخص في التجارة والبناء، و290 شخصا في السياحة و280 شخصا في التعليم إلى أن تصل في مجال البتروكيماويات إلى 160 شخصا وهكذا. مثل هذه البلدان تمتلك دراسات ومسوحات ميدانية كافية حول مخزون كل قطاع وتكاليف كل فرصة عمل جديدة، والميز النسبية لكل قطاع، كما تختلف في أساليب الدعم والتمويل للمؤسسات التي تقوم بهذا الدور نيابة عن الحكومات. في المملكة مثلاً ورغم ندرة الدراسات التي تبحث في هذا الجانب، إلا أنني اطلعت قبل أسبوع على أحد التقارير التي توضح جانباً من هذه التكاليف، وهو نصيب الحكومة من هذه التكلفة، والتي تبلغ 3.5 مليون ريال لكل فرصة عمل، وسوف أستعرض مضمون هذا التقرير ومرئياتي حوله في مقال لاحق.