بينما لا يلوح في الأفق حل كامل لمشكلات الإسكان والبطالة في السعودية، على رغم محاولات الدولة الحثيثة خلق الحلول واتخاذ الخطوات التي تمنع تفاقم المشكلات التي تواجه المواطن السعودي، التي كان آخرها دعم صناديق العقار والإسكان بعشرات بلايين الريالات، جاء الخبير الاقتصادي مختار بلول بحل تبدو ملامحه أقرب إلى «حل جذري»، عبر خطة استراتيجية تنهي مشكلة الإسكان إلى الأبد، وتوفر أكثر من 200 ألف وظيفة في آن. يشخص البلول لب المشكلة في «طريقة التوزيع» التي يصفها «بالمستهلكة والبالية»، خصوصاً بعد مرور أكثر من 50 عاماً على العمل بالطريقة نفسها في توصيل المال العام إلى المواطن في شتى مجالات الحياة كالإسكان والصحة والتعليم والبطالة. ويقول: «لم تعد شبكة صرف الثروة صالحة لإيصال ما يضخ عبرها إلى المواطن»، ضارباً مثلاً «كأن تصرف الدولة مليون ريال إعانة للمواطنين، فبدلاً من إعطاء المليون لجهة واحدة تحقق للجميع خدمة عامة، يتم صرف المليون إلى هللات، توزع على المواطنين لتصبح حصة كل مواطن هللة، والنتيجة أن كل مواطن سيلقي بتلك الهللة في التراب، ليضيع المليون سدى». وينتقد الخبير الاقتصادي جمود سياسة صندوق التنمية العقاري التي لم تتغير منذ تأسيسه قبل نصف قرن، «لم تتغير سياسته ولا أسلوب تعاطيه مع مشكلة الإسكان، حتى أن ضرره بات أكثر من نفعه، في ظل تغير الظروف التي كانت سائدة عند تأسيس الصندوق». ويضيف: «لم تعد قيمة القرض المقدم كافية لتأمين سكن عادي جداً»، مشيراً إلى أن مبلغ 40 بليون ريال الذي خصص لزيادة موارد صندوق التنمية العقارية لمواجهة الكم الهائل من طلبات الإقراض التي يواجهها الصندوق، والتي وصل معدل الانتظار فيها إلى أكثر من 100 عام، لم تعد كافية للتوزيع على عمل فردي. وزاد: «يمكنها أن تعطي نتيجة ملموسة إذا تم توجيهها إلى عمل جماعي، مثل إقامة مدن إسكان متكاملة ثم توزع على كل فرد من المواطنين»، لافتاً إلى أن ما ينطبق على الإسكان ينطبق على الصناعة والتعليم والبطالة. ويتلخص حل بلول لأزمة الإسكان والبطالة وغيرها من المشكلات في التحرك نحو ما يسمى «الاقتصاد الكلي»، بدلاً من الأسلوب الجزئي، «لم يعد الاقتصاد قادراً على حل مشكلة كل مواطن دون الآخرين، وإنما أصبح الاقتصاد مطالباً اليوم بإصلاح الوطن ككل، فكل مواطن له حق الحصول على الخدمة الخاصة بشكل عام». وتبدأ الخطة التي من الممكن اعتبارها خطة على المديين القصير والطويل، بتأسيس «شركة الأجيال القادمة»، برأسمال يربو على أكثر من تريليون ريال، يتم تغطية رأسمالها عن طريق تخصيص عائد مليون برميل من النفط يومياً تودع في حساب هذه الشركة مدة عشرين عاماً، بضمان الدولة عن طريق إصدار سندات تعهد بذلك. ويرى بلول أن هذه الشركة - في حال أسست - ستصبح قوة مالية واستثمارية واقتصادية ورأسمالية بمجرد صدور مرسوم وقرار بتأسيسها، «لأن رأسمالها مضمون بضخ قيمة مليون برميل من النفط يومياً في حساب هذه الشركة مدة عشرين عاماً». ويشير إلى أنه بمجرد إعلان إنشائها «سيصبح لدينا كيان مالي عملاق قادر على الدخول في استثمارات محلية وخارجية لصالح الوطن والمواطن بنسبة 50 في المئة من رأسمال كل مشروع استثماري داخل المملكة». لكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف ستؤثر هذه الشركة على جميع قطاعات الاقتصاد في البلاد؟ وكيف ستقضي على البطالة والفقر وأزمة الإسكان؟ يشرح الخبير الاقتصادي تدريجياً، عبر نقاط عدة، يأتي في مقدمها أن الشركة ستحصل على قيمة مليون برميل نفط يومياً، بمتوسط 80 دولاراً للبرميل، وهو ما يعني أن دخلها المتوقع في العام يبلغ 30 بليون دولار (نحو 100 بليون ريال). هذا المبلغ لو أضيف عليه مثله من الجهات الراغبة في الاستثمار، فإن المبلغ سيصبح 200 بليون ريال، ستضخ سنوياً في الاقتصاد السعودي، داخلياً وخارجياً، مشيراً إلى أن الاستثمار السعودي الأجنبي في الخارج ستصب فائدته في النهاية لمصلحة الوطن. وبحسب لغة «المضاعف الاقتصادي» فإن نصف هذه المبالغ تم توظيفها واستثمارها في المملكة، يعني أن 100 بليون ريال سنوياً ستضخ في السوق السعودي. الرقم السابق ستساهم فيه شركة أجيال والقطاع الخاص مناصفة، ليتم توظيفه وتشغيله واستثماره في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية داخل السعودية، والنصف الباقي يذهب – فرضاً – إلى استثمارات خارجية بمساهمة القطاع الخاص والشركة وشركاء أجانب في الخارج، لتعزيز استفادة الاقتصاد السعودي وربطه بالاقتصادات العالمية. وتقول لغة المضاعف الاقتصادي إنه في أضعف حالات التسربات المالية من استثمار 100 بليون ريال سعودي كل عام، فإن المضاعف سيعمل لخلق فرص استثمارية «متولدة» من الفرصة الاستثمارية الأولى تقابل قيمة الاستثمار، وهو ما سيلد 100 بليون أخرى على الأقل، في أضعف الاحتمالات. وتسمى هذه العملية بالتكامل الأفقي والرأسي في عمليات الاستثمار، إذ إن الاستثمار الأول سيؤدي إلى تولد استثمارات أخرى مكملة له، (مثال: الاستثمار في مزرعة قمح يؤدي إلى الاستثمار في مصانع دقيق، ثم مخابز، ثم مصانع حلويات.... وهكذا). تأثير الشركة على الإسكان والبطالة يجزم الخبير الاقتصادي مختار بلول أن استثمار «شركة الأجيال القادمة» بالشراكة مع رؤوس الأموال العقارية في بناء مدن سكنية جديدة ومتكاملة على أطراف المدن الرئيسية، على أن تتوافر فيها جميع الخدمات ووسائل المواصلات الحديثة وفرص العمل لسكانها، بحيث لا يحتاجون للذهاب إلى وسط المدينة الأم إلا للنزهة فقط، سيؤمن لكل مواطن منزلاً بسعر أقل من قرض التنمية العقاري الذي يمنح حالياً (قيمته 300 ألف ريال)، نظراً لأن حجم تلك المدن الجديدة للإسكان ستحقق لها ما يعرف ب«وفرات الحجم الكبير» في تكاليف البناء. وبخصوص تأثيرها على البطالة، أكد بلول أن القاعدة تقول إن استثمار 200 بليون ريال سنوياً في الاقتصاد المحلي سيؤدي إلى إيجاد وخلق فرصة عمل واحدة على الأقل مقابل كل مليون ريال من الاستثمارات، وهو ما يعني خلق 200 ألف وظيفة وفرصة عمل على الأقل.