تشكلت الهيئة العليا للمفاوضات «الجديدة» برئاسة الدكتور نصر الحريري، في ظل متغير حقيقي للمواقف السياسية الدولية حيال الأزمة السورية. وثار العديد من المعارضين على تشكيل هذه الهيئة، بذريعة أنها تستوعب منصات سياسية جديدة لها مقاربتها الخاصة مع نظام الأسد، وهنا نعني منصة موسكو بالتحديد. وبعد يومين من المقاربات بين تيارات المعارضة السورية في الرياض يومي 23 و24 /11/ 2017 ولدت هيئة التفاوض الجديدة، وبقيت أعين المعارضة السورية تترقب، ماذا ستفعل هيئة التفاوض في جنيف ومن بعدها سوتشي. كل التكهنات المناهضة للهيئة العليا للمفاوضات بأنها ستقبل مقاربة بقاء الأسد في السلطة، لم تكن في محلها، ففي كل اللقاءات السياسية كانت المرجعية قرارات مجلس الأمن، ولم يسجل ولو لمرة واحدة أن الهيئة تخلت عن مطلب رحيل الأسد. وبقيت ثوابت الرياض1 والرياض2 متماسكة، بل إن منصة موسكو فشلت من خلال بعض الأعضاء ضمن وفد الهيئة العليا للمفاوضات بتغيير مواقف الهيئة، بل باتت منصة موسكو مجبرة من خلال بيان الرياض2 على المضي في عملية التفاوض وفق المسارات السابقة التي حددتها هيئة التفاوض السابقة، وكل ما يقال عن مساومة الهيئة الجديدة للحل السياسي اكتشف أنه افتراء وجزء من الحملة عليها. نجحت الهيئة العليا للمفاوضات، ورغم المطالب الإقليمية في تجاوز امتحان سوتشي، حين صوت الأعضاء بالأغلبية بعدم الذهاب إلى سوتشي، رغم اللقاء الذي جرى بين وفد الهيئة ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، وطلب لافروف التجاوب مع هذا المؤتمر. ونجحت أيضا في كسب ثقة المجتمع الدولي بأنها مستعدة للتفاوض على كل شيء إلا القبول ببشار الأسد، والنجاح الأكبر - الذي لا يبدو واضحا لمن ينتقد الهيئة - هو حملة العلاقات العامة التي قامت بها في الولاياتالمتحدة ومصر وروسيا وغيرها من الدول الأخرى، حتى أن القاهرة أكدت خلال لقاء الهيئة أنها أيضا تدعم القرار 2254 الذي ينص على هيئة الحكم الانتقالي. الأكثر من ذلك، أن المبعوث الأممي للأزمة السورية ستيفان دي مستورا لم يعد يتحدث عن وحدة المعارضة بعد انضمام منصتي موسكووالقاهرة إلى الهيئة الجديدة. وانتهت ذرائع المبعوث الأممي في جنيف وإلى الأبد في توحيد صفوف المعارضة في جنيف. أما الدول المعنية بالأزمة السورية فرأت فيها جسما براغماتيا متجاوبا مع المتغيرات ومستعدا للعمل على المسارات السياسية لحل الأزمة بقرارات مجلس الأمن ، من دون بطولات كلامية ومؤتمرات براقة. النقطة التي تسجل للهيئة العليا الجديدة، هي مقدار المصارحة والمكاشفة مع فئات الشعب السوري، وعملية التواصل المستمرة مع كل قوى الثورة الفاعلة، لكن يجب ألا يكون ذلك حالة مؤقتة تسعى الهيئة من خلالها إلى كسب تلك القوى الثورية. ورغم كل هذه المساعي لم تسلم الهيئة من سهام بعض القوى والناشطين الذين عادة ما يحكمون على مظاهر الأمور ودون العلم بتفاصيل ما تقوم به الهيئة أو حتى عناء السؤال.. «ماذا تفعل الهيئة»؟ المشكلة الأساسية في قوى المعارضة السورية منذ تأسيس المجلس الوطني السوري في أكتوبر 2011، هي عدم الإيمان بالعمل الجماعي، لذا ترى في كل مرحلة معارضة سياسية في داخلها معارضة أقوى بمعنى (معارضة المعارضة)، وقد انتشر هذا الفيروس في كل أجسام المعارضة السورية حتى في الائتلاف، في الوقت الذي كانت فيه الحاجة إلى تماسك قوى المعارضة والثورة. وبدلاً من الوقوف إلى جانب هذه الأجسام السياسية وتصويب مسارها نرى التهافت على رميها بسهام النقد بذريعة تصحيح مسار الثورة. وهذه هي ذريعة «قميص عثمان» التي يمكن للكل أن يعمل تحتها بأجندات متنوعة. ومهما كانت حسابات الهيئة العليا للمفاوضات، إلا أنها لا تستطيع أن تخرج عن مسار الثورة السورية، لأن ذلك يعني نهايتها مهما كانت مدعومة دوليا، إذن لا بد أن نمنح الهيئة فرصة العمل مع الحفاظ على مبدأ المحاسبة، دون ذلك، فكل ما يوجه للهيئة من انتقادات لا يخدم الثورة السورية التي آن الأوان أن تشكل جسما يحظى بالاحترام والدعم الشعبي.