طور النشوء أبرز فصائل الإسلام السياسي التي لها حضور ملحوظ في المجتمع الشيعي في السعودية، هي «حركة الرساليين الطلائع»، وتيار «السائرون على نهج الإمام»، وهناك حضور ضعيف لواحدٍ من التيارات التي انبثقت عن حزب الدعوة العراقي الذي يمتاز متبنو خطه من الشيعة السعوديين بالنخبوية، وعدم القدرة على الانتشار الاجتماعي. سأسلط بعض الضوء على الحركة الأهم، حركة الرساليين الطلائع، من خلال ما قُيِض لي الإطّلاع عليه من مصادر محدودة حتى الآن، وذلك باعتبار أن السرية لا زالت تلف الجانب الأكبر من تفاصيل هذه الحركة السياسة المذهبية الأبرز حضوراً في الوسط الشيعي في السعودية، وبعد ذلك، سأسرد ملاحظات ذات طابع اجتماعي حولها، وحول المجاميع التي تنتسب إليها. هناك من الدارسين والباحثين من هو أحسن إطّلاع مني على تاريخ نشأة هذه الحركة، وتفرعاتها، وانشقاقاتها، إلَّا إنّني أرى ضرورة المرور سريعاً على التكوين والنشأة حتى أصل بملاحظاتي إلى الجانب الاجتماعي الذي أزعم أن معرفتي به جاءت نتيجة معايشة لأنني ابن أسرة شيعية سعودية؛ وُلِدْت وترعرعت في وسط شيعي سعودي. تأسست حركة الرساليين الطلائع عام 1967 في مدينة كربلاء في العراق. وقد تكون بدايتها الفعلية قبل ذلك بسنوات قليلة. نَشَأَت هذه الحركة كرد فعل من طلاب ومريدي محمد مهدي الشيرازي على موقف الزعامات الدينية الشيعية في النجف الذين لم يُقِّروا لمحمد مهدي الشيرازي بنيله درجه الاجتهاد، وتالياً، لم يجزه بعض كبارهم بالفتيا واستنباط الأحكام الفقهية من خلال فهمه المباشر للنصوص. كان الشعار الأهم الذي استخدمه المبلغون الشيرازيون المبكرون، هو «المرجعية المتحركة» مقابل «المرجعية الساكنة». وفي ذلك ما فيه من تعريض بجمود وترهل الزعامات الدينية النجفية التي انحصرت أنشطتها الفقهية في مسائل الحلال والحرام دون إيلاء الشأن الاجتماعي السياسي لمقلديهم أي اهتمام. تخبرنا المصادر المحدودة التي تناولت مسألة تأسيس هذه الحركة بأن محمد مهدي الشيرازي لم يرتبط تنظيمياً بها رغم أن الحركة حملت اسماً شعبياً شمل جميع فصائلها، وطغى على مسمياتها الرسمية، حيث جُمِعَت كل فصائل الحركة تحت اسم «الشيرازيين» نسبة إلى محمد مهدي الشيرازي الذي ارتبطت فصائل الحركة بمرجعيته الفقهية دون التنظيمية. تقترح ذات المصادر أن حسن الشيرازي وهو أحد إخوة محمد مهدي الشيرازي، ومحمد تقي المدرسي، وهادي المدرسي، وهما من أبناء أخت محمد مهدي الشيرازي، ومعهم محسن الحسيني (قاسم الأسدي)، هم نواة تأسيس الحركة. أقام محمد مهدي الشيرازي علاقة متينة مع الخميني منذ عام 1963 فور وصول الخميني إلى العراق قادماً من تركيا بعد ترحيله من ايران. يجمع بين الشيرازي والخميني جامع قد يكون السبب الرئيسي وراء مبادرة الشيرازي مد جسور تلك العلاقة المميزة بينهما. من ناحية، يعاني الشيرازي من نكران المرجعيات النجفية لاجتهاده، ومن ناحية أخرى، عندما أحيلت أوراق الخميني إلى المحكمة العسكرية العليا في طهران عام 1963، لم يكن قد حاز على إجازات الاجتهاد بعد. لكن إحالة أوراقه إلى محكمة من هذا الطراز، أَشّرَت حينها إلى احتمال صدور حكم الإعدام عليه مما أدى إلى تداعي الزعامات الدينية الشيعية للعمل على حمايته من هذا المصير المحتمل، فصدرت نتيجة هذا التداعي، إجازات باجتهاد الخميني، أبرزها الإجازة التي منحها إياه كاظم شريعتمداري أبرز مرجع تقليد شيعي في ايران في تلك الفترة، وحيث إن الدستور الإيراني لا يجيز إعدام المجتهد، فقد أدّت الإجازات دورها، ونجا الخميني بحياته، ورُحِّلَ من إيران إلى تركيا التي غادرها إلى العراق في ذات السنة. جاء الخميني إلى العراق، ومعه تعقيدات إجازات الاجتهاد الاضطرارية، وفي هذا شيء من الشبه مع وضع الشيرازي الذي طرح نفسه مرجعاً للتقليد دون أن يحوز إجازات اجتهاد صادرة عن مجتهدين بارزين. بدأ هادي المدرسي نشاطه التبليغي في منطقة الخليج لصالح مرجعية خاله محمد مهدي الشيرازي منذ أواسط ستينيات القرن العشرين، ومن الواضح أن السلطات البريطانية في الشارقة لم تتحسس من الأنشطة التبليغية التي كان يمارسها هادي المدرسي، حيث مُنِح أوراق هوية كمواطن من الشارقة، واستنادا إلى هويته تلك، منح جنسية البحرين، ومن ضمن من زَكّاه وأوصى بمنحه الجنسية في البحرين شاعر البحرين الأبرز وقتذاك، إبراهيم العريَّض، حصل كل هذا قبل أن تنال دول الخليج استقلالها من بريطانيا! من الثابت أن هادي المدرسي ارتبط بعلاقات ودية مع بعض رجالات الديوان الأميري في البحرين، ونشر عدداً من مقالاته في مجلة قوة دفاع البحرين. أنا شخصياً لا أرجح احتمال أن كل هذه الحظوة التي نالها هادي المدرسي ممثلاً مرجعية خاله، في دول الخليج، جاءت نتيجة غفلة أمنية بريطانية، ولكنّي أرجح احتمال أن بريطانيا كانت ترحب بكل نشاط سياسي إسلامي من أجل محاربة المد اليساري الذي كان في أوجه إِبّان تلك الفترة من فترات الحرب الباردة.