يذكرني بعض المغردين ومن في ركابهم الذين مازالوا يعيشون التجربة الظلامية ومفرداتها وأدبياتها ويعتقدون أنهم بخلاف العالم الذي سبقنا بسنين أكاد أجزم أنها قرون عديدة، أنهم على صواب وغيرهم على ضلال، وتجد أن مفرداتهم وأدبياتهم مليئة بالتشفي والكراهية ويسخرون ويتنابزون بالألقاب، كما أنهم ليس لديهم حساب أرباح وخسائر ولا إعادة نظر في أسلوبهم وفكرهم، حيث مازالت حروبهم على الغير مستعرة، فهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون حرب ودمار، فهذا هو ما أبدعوا فيه. وتجدهم يناصرون الأشخاص وليس المبدأ والموضوع، لذلك تجدهم متقلبين متلونين لأنهم يتبعون الأشخاص وليس المبدأ. العالم في جانب وهم مازالوا في جانبهم الظلامي وحروبهم ومعاركهم مع مجتمعهم. يعادون الفرح والسرور ويناهضون العلم والتعليم يكذبون ويتلونون لأنهم يتبعون الأشخاص والأدهى من ذلك أنهم مصدقون لكذبهم لا يبصرون سوى ما يظنون أنه الصواب ولا يتعلمون من تجاربهم وإن اصطدموا بالواقع فهم لا يفقهون. الجهل بالمحيط يجعلهم في غيبوبة، فليس أقسى ظلمة من ظلامات سجن العقل الذي لا يحيط ولا يعي بما يحيط به من ظلام ولا يستطيع أن يغادر سجنه الذي يراه نعيماً. فالعالم يتغير بسرعة ومازال البعض يريد أن يعيش الماضي الذي شكله وصوره في مخيلته منفصلا عن الحاضر والظروف والاحتياجات العصرية حتى أصبح البعض يعيش خارج العصر وكأنه في القرون الوسطى مستخدماً أدوات حديثة وعصرية فلا هو في الماضي وأدواته ولا هو في الحاضر وآلياته. هؤلاء ليس لديهم حلول لمشاكل المجتمع الحياتية والاقتصادية والسياسية، لقد تسبب هؤلاء في تأخرنا لقرون ومنعوا الفرح وحاربوه والرياضة والتعليم الحديث واستبدلوه بالتلقين ولم يقدموا سوى الوهم حتى دب الوهن في المنظومة الإدارية والتعليمية والإعلامية وحاربوا كل المصلحين. والواقع وليس الكلمات والخطب الرنانة تثبت هذه الحقيقة بل الواقع الملموس والمشاهد، فالمشاكل لا تسقط من الفضاء وإنما نتاج لأخطاء ومنهجية تولد هذا التدهور. هؤلاء لا يعرفون غير الخطب الرنانة وتطويع النصوص والمفاهيم لأفكارهم وأدبياتهم، عاشوا على خير ما تنتجه بطن الأرض وليس على ما تنتجه أياديهم ولا يملكون غير الحلول العنترية، ولا يجرؤون على مواجهة الواقع والتعامل معه، يريدون أن يفرضوا وصايتهم على المجتمع، لا يعنيهم أن يتسببوا في تحطيم مستقبل شاب أو الزج به في غياهب السجن. لا رحمة في قلوبهم على الضعفاء وإن سكبوا الدموع. يقولون ما لا يفعلون. أشغلوا المجتمع بتوافه الأمور وكما يقول المثل (يفتى على الإبرة ويبلغ المدرة). كم من الوقت انقضى وولى ومضى ومازال البعض منهم يراوح مكانه جاهلا بالمحيط الذي حوله متمسكاً بخصوصية ادعاها وتفاخر بها حتى غاب عنه حاضره وواقعه. وكأنه ينتظر من يأخذ على يده ويردعه عن غيه وضلاله وغلوائه الذي يعيش فيه، وقد حذّر المفكر الأديب فرج فودة «يرحمه الله» والعديد من المفكرين والكتاب العرب من هذه الفئات التي تجهل محيطها وتسحب وتنتزع الأمة من سياقها ومحيطها وحاضرها، فالجاهل عدو نفسه، فلا يفيد نفسه ولا يفيد غيره بل يضر ولا ينفع من غير أن يدري. صاحب هذا الفكر يحسب أن كل صيحة عليه ويعتبر نفسه مستهدفا ويقنع متابعيه ومن يدور في فلكهم بأن هناك خطرا يهدد كيانهم ومعتقداتهم وعاداتهم وخصوصياتهم حتى يظلوا في جهلهم يعيشون وعن محيطهم غافلون، وهنا دور الإعلام وتوعية المواطن أنه لا يمكن لنا كأمة أن تعيش في معزل عن عالم يتغير ويتطور عالم تخلى عن الأفكار البالية ويعيش من صنع يديه. osamayamani@