أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    القبض على باكستاني يروج الشبو بالشرقية    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    37 بلدة جنوبية مسحها الجيش الإسرائيلي وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية دمرت    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الولايات المتحدة تختار الرئيس ال47    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    سيناريو التعادل .. ماذا لو حصل كل مرشح على 269 صوتاً؟    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    اليوم الحاسم.. المخاوف تهيمن على الاقتراعات الأمريكية    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    تنوع تراثي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكار: لا أرتضي للمفكر أن ينتمي إلى أي حزب حتى لو كان إسلاميًا
نشر في المدينة يوم 30 - 07 - 2010

ما موقع الفكر والمفكرين في خارطة التغيير الاجتماعي؟ وأيهما يؤثر في الآخر الفكر أم الواقع؟ وما سبب الأطروحات المثالية التي يطرحها المفكرون؟ وكيف يتكون الفكر والمفكر؟ وما العلاقة بين العقل الجمعي والثقافة السائدة؟ والعلاقة بينهما وبين الدين؟ هذه الإشكالات وغيرها تطرح الرسالة على الأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار المتخصص في الشأن الفكري والثقافي، وفيما يلي تفاصيل الحوار...
• لماذا الاهتمام بالفكر والمفكرين ألا يعد هذا ترفًا فكريًا في وقت نحن في حاجة إلى أشياء عملية كما يردد البعض، وأنت تكلمت عن توفير الحاجات الأساسية وتحقيق درجة من الرفاهية حتى تستقيم حياة الناس؟
- الاهتمام بالفكر لا يعد من الأمور الترفية لأن العلم يسبق العمل، ونحن نعرف أن الإنسان قد تكون لديه معلومات كثيرة، ثم لا يستفيد منها، وهذا ذكره الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل “مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا”، فيمكن للإنسان أن يكون لديه علم ولا يستفيد من هذا العلم لا في تطوير ذاته ولا في حل مشكلاته ولا في فهم واقعه، فعالم الفكر والمفكرين يشتغل على تطوير الواقع؛ بمعنى نقل الواقع من حال إلى حال، وحل المشكلات، ومعالجة الانحرافات، وفتح حقول جديدة للممارسة، ووعي أكثر بالتحديات والفرص، وهذه كلها تحتاج إلى فكر وإعمال للذهن. والله تعالى أثنى في كتابه على الذين يعقلون والذين يتدبرون والذين يتفكرون، وهذه كلها من فعاليات الفكر والتفكير.
دوائر التنظير
• هل لهذا السبب يطرح المفكرون أطروحات مثالية بعيدة عن الواقع؟
- بالطبع دائمًا ونحن ننظّر ونفكر تكون دوائر التنظير والتفكير أوسع من دوائر التطبيق، وهذا موجود في كل الأزمنة وفي كل مجالات الحياة، حيث توضع بدائل وخيارات عديدة وأطر واسعة والناس تأخذ من هذه الأطر والبدائل بمقدار ما يحتاجون، كذلك معروف أننا حين ننظّر ننظّر من غير قيود، ونحن متحررون من قيود الزمان والمكان وصعوبات التعامل مع المادة، لكننا حين ننفّذ نجد هناك معوقات وحواجز وقصورًا ذاتيًا، ونجد كذلك ممانعة من قوى مضادة، وهذا كله يوجد نوعًا من المفارقة بين النظرية والتطبيق، فدائمًا التنظير يكون أوسع من التطبيق.
جدلية الفكر والواقع
• دكتور! هذا يقودنا إلى جدلية الفكر والواقع.. هل الواقع هو الذي يصنع الفكر أم أن الفكر ينتج الواقع؟
- الفكر في الأساس هو الذي يطور الواقع، لكن الواقع هو أستاذ الجميع، فمثلًا لو طبقت خطة في النهوض بالتعليم قبل عشر سنوات وقيل عن هذه الخطة إنها أعظم خطة وصل إليها البشر، من الذي سيحكم بعد مرور عشر سنوات على هذه الخطة وأنها هي فعلًا خطة عظيمة أم لا؟ الواقع هو من سيحكم، فنحن حين نعود إلى الواقع سنقول إن هذه الخطة مازالت عظيمة أم لا؟وقد يتبين لنا أن هذه الخطة التي كانت خطة عظيمة قبل عشر سنوات هي الآن خطة فاشلة، وربما يتبين لنا أنها مازالت خطة عظيمة، والذي سيصدّق دعوانا أو يكذّبها هو الواقع، لذلك أنا أقول إن الانفتاح على الواقع هو مصدر كل تجديد، لكن في نفس الوقت الذي نحن مطالبون فيه بالنظر إلى الواقع نحن أيضًا مطالبون بتطوير الواقع؛ بمعنى أن المفكر يقترح خطة لإصلاح التعليم أو الاقتصاد أو السياسة أو غيرها، ويبدي ملاحظات ورؤى حول علاقة الأشياء بعضها ببعض، وحول جذور بعض الأزمات والمشكلات، والهدف من كل هذا هو تطوير الواقع إلى الأفضل، فنحن نتعلم من الواقع ونستفيد منه في صواب كثير من نظرياتنا ومقترحاتنا لكن في نفس الوقت لا يصح أن نستكين لهذا الواقع أو أن ننظر إليه على أنه شيء نهائي وإنما هو شيء قابل للتغيير والتطوير، وهذه مهمة المفكرين.
المفكر والبيئة المحيطة
• دكتور! عنونت كتابك ب (تكوين المفكر)، هل المفكر يُصنع صناعة أم يبرز من تلقاء نفسه؟
- لا هذا ولا ذاك، المفكر هو إنسان تعب على نفسه، ولا يمكن أن يبزغ مفكر من دون تعب؛ فشخص لا يقرأ ولا يهتم ولا يناظر ولا يحضر مؤتمرات ولا ندوات ولا يركّز على أشياء بعينها، ولا يلاحظ الظواهر هذا مهما أوتى من مواهب أساسية لا يمكن أن يصبح مفكرًا، أيضًا إذا كان لدينا شخص محروم من الموهبة مثل موهبة التفكير الراقي أو موهبة المحاكمة العقلية المتفوقة جدًا، أو موهبة ملاحظة طبائع الأشياء وفهمها، هذا الشخص مهما قرأ أو اجتهد، فإنه بلا شك سيطرأ على تفكيره تحسين لكن قد لا يصبح مفكرًا عظيمًا. وهذا شبيه تمامًا بالشعر فهناك أشخاص لديهم مواهب شعرية عظيمة، لكنهم لم يثقفوا أنفسهم ولم يقرؤوا ولم يحفظوا الشعر ولم يهتموا؛ فهؤلاء تموت مواهبهم، وهناك بالعكس أناس يبذلون جهودًا كبيرة في أن ينظِموا أبياتًا جميلة لكن لا يوفقون دائمًا بسبب أنهم يفتقدون الموهبة، لذلك أنا لما قلت تكوين المفكر كنت مترددًا في تسمية الكتاب بهذا حتى لا يظن ظانٌ أنه بمجرد قراءة عشرين كتابًا من مثل كتابي -مثلًا- سيصبح مفكرًا وإنما قصدت من كتابي تحسين الإدراك والفهم، فمن كانت لديه موهبة التفكير فإنه سيستفيد من هذا الكتاب استفادة كبيرة ليصقل تلك الموهبة، ويحسن المحاكمة العقلية لديه، ويحسّن فهم ارتباط الأشياء ببعضها، فهو كتاب في الحقيقة لا يصنع مفكرًا ليست لديه الموهبة، لكن سيستفيد منه من ليست لديه الموهبة في تحسين إمكانات التفكير، ويدله على بعض الأشياء العملية في مهارات التفكير.
ما بين هذا وذاك
• هل للفكر بيئة يزدهر فيها؟ هل بيئة الألم والمعاناة تساعد أكثر من بيئة الرخاء والرفاهية؟
- الحقيقة ليست هناك قاعدة مطردة في هذا، نحن نعلم أن هناك مفكرين عظامًا نشأوا في بيئات فقيرة وصعبة، ونجد كذلك أن هناك مفكرين ولدوا وفي أفواههم ملاعق الذهب في بيئات ميسورة. لكن في اعتقادي أن الرخاء يساعد أكثر على التفكير، لأن الإنسان حينما يكون في بيئة فقيرة وجاهلة وفوضوية يشعر وكأنه يعيش في بيئة ضرورات، ويشعر أن الضغوط عليه من كل مكان وأيضًا البيئات المتعَبة تحد من طموحات أصحابها، وتجعل آفاق تفكيرهم في أغلب الأحيان محدودة وضيقة، على حين أن البيئة الرخية إذا لم تورث لأصحابها الكسل والتواكل على الوفرة؛ فإنها تساعد على الاهتمام بوسائل تحصيل الفكر كشراء الكتب والسفر وحضور الدورات والمؤتمرات، وتجعل الإنسان لا يفكر في ضرورات العيش؛ لذلك يرتقي اهتمامه للتفكير في بعض الظواهر والمشكلات الاجتماعية فيرتقي ميدان التفكير لديه.
خيانة الرخاء
• لكن أنت ذكرت شواهد على انقلاب الرخاء على أصحابه؟
- نعم هناك مصطلح اسمه (خيانة الرخاء)، وأنا ذكرت أنه ما لم يتكل الناس على الرخاء ويقولون: لسنا بحاجة إلى العلم وإلى التفكير في قضايانا ونحن بخير وليست لدينا مشكلة. وعلى سبيل المثال أفريقيا السمراء كانت بيئة رخية جدًا، وتتمتع بمناخ وثروات جيدة لكن تغيرت الأجواء، وكثر السكان، والناس لم يستطيعوا تطوير عادات جديدة تقوم على التعب والكدح والتنظيم بدلًا من العادات التي كانت سائدة لديهم أيام الرخاء فحصل لهم ما حصل، وهذا تفسير من تفسيرات الظاهرة الأفريقية لا نقطع بصحته لكن رؤية من الرؤى التي تفسر تخلف أفريقيا، وهناك كذلك إسبانيا؛ فعندما غزا الإسبان أمريكا الجنوبية في القرن السابع عشر واستعمروها وحصلوا على الكثير من مناجم الذهب ونقلوه إلى بلادهم صار الناس يشعرون أنهم ليسوا بحاجة إلى الكد والكدح والتعلم العالي وتطوير الصناعة لأن لديهم مالًا يستطيعون من خلاله شراء كل شيء وانتقلت الصناعة إلى دول أخرى ولم تتطور في إسبانيا، وإلى اليوم لا تقارن الصناعة الموجودة في إسبانيا بما هو موجود في الدول الأوروبية الأكثر تقدمًا مثل ألمانيا وبريطانيا.
الانتماء الأحزاب
• في محور آخر دكتور.. المفكر والسلطة، ما المسافة التي ينبغي أن تكون بين المفكر والسلطة، هل يفكر ويبرر للسلطة أم أنه يُعمل أساليب النقد لما تقوم به؟
- لا أرتضي للمفكر أن ينتمي إلى أي حزب بحيث يجد نفسه أنه يدافع عن سياسات حزب أو جماعة أو دولة، ويصبح كأنه ناطق باسم أي مجموعة حتى لو كانت إسلامية. أنا لا أستحسن هذا للمفكر لأن الدول والجماعات والأحزاب تخطئ فلا يرهن المفكر قلمه أو فكره لفكر غير معصوم، ولأعمال وتصرفات قد يعتريها الخلل والنقص، أيضًا لا أرتضي للمفكر أن يتخذ سبيل المعارضة كالأحزاب السياسية فأي شيء تفعله الحكومة هو سيئ في نظرها حتى تنفر الناس من الدولة وتحل هي محلها، على المفكر أن يلتزم بأكبر قدر من الحياد؛ ما يراه من الخير والصواب يشجعه ويحفز عليه ويقويه حتى لو كان من يفعل هذا بينه وبين المفكر عداوة؛ فالمفروض أن يقوم المفكر لله تعالى بالقسط، وفي نفس الوقت إذا وجد المفكر الأخطاء، فبالأسلوب العلمي والمنهجي ينبه على تلك الأخطاء، وهذه من ثمن الريادة الفكرية التي هي ليست وجاهة فقط أيضًا هي مسؤولية ومن جملة المسؤولية أن يقول الإنسان الحق، وقد أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على أهل الكتاب ألا يقولوا إلا الحق وأن يجهروا به ويوضحوا الباطل؛ لأن المفكر موضع ثقة من الناس وإذا لم يستطع المفكر أن يقول الحق لظرفٍ ما فلا يقل الباطل، أما أن يقول الباطل فهذه خيانة للريادة الفكرية التي يحملها.
العقل الجمعي
• في نقد العقل الجمعي، المجتمعات الإسلامية تنظر إلى الدين على أنه جزء من الثقافة الاجتماعية كما ذكرت، وكذلك العادات والتقاليد هي جزء من الثقافة الاجتماعية.. ألا يشكل هذا عائقًا أمام نقد العقل الجمعي؟
- العقل الجمعي هو ما يتكون لدى الناس على أسس الثقافة الشعبية الشفهية والتي تدخل فيها المصلحة والخبرات الناقصة والأخطاء الموروثة، كل هذه تشكل عقلًا جمعيًا للناس وبالتالي تكوّن تيارًا عاطفيًا، والدين والمنهج الرباني هو الذي ينبغي أن يكون مهيمنًا على ثقافة الناس السائدة، وقد ذكرت في بعض كتبي أن من طبيعة الناس وفطرتهم وتكوينهم أنهم يجعلون الدين جزءًا من ثقافتهم بدل أن تخضع الثقافة للدين، والثقافة الشعبية لا تخطئ في كل شيء ففيها أشياء إيجابية والنبي صلى الله عليه وسلم قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” أو “صالح الأخلاق”؛ فهو جاء ليتمم بمعنى أنه لم يأت لينسف كل شيء وإنما ليصحح المعوج ويقر فضائل ومكارم الأخلاق، وكذلك الثقافة الشعبية فيها الأشياء الجميلة وفيها الأشياء الخاطئة والمفروض أن المفكر ينقد الأشياء الخاطئة في الثقافة الشعبية وينشر وعيًا جديدًا قائمًا على المنهج العلمي الصحيح في فهم الماضي والواقع والمستقبل.
• لكن كيف يمكن إزالة الالتباس بين الثقافة الشعبية والدين وأنت قلت إنه أصبح جزءًا منها؟
- بعض الناس هكذا يتوهم لجهله، إن تمسك بعض الناس بأمور من الدين لا يعطيه العصمة في كل أموره، ولا يجعله فوق النقد، ستظل الأعمال البشرية قابلة للخطأ وما دامت قابلة للخطأ فهي قابلة للإصلاح والتصويب.
شخصيته المستقلة
• دكتور! في موضوع الأنساق والنظم، كل حضارة لها أنساق ونظم ثقافية وسياسية مختلفة لكن النظم المالية والتجارية –وهذا ذكرته في أكثر من كتاب- هي الأكثر تطورًا والأكثر سيطرة على النظم والأنساق الأخرى، لماذا هذا في رأيك؟
- يحدث في الحضارة الواحدة أن يحصل تفاوت واختلاف في الأنساق والنظم؛ فتجد الصناعة متقدمة والتربية متأخرة، وتجد الاجتماع سيئًا لكن السياسة جيدة، يحصل مثل هذا في الحضارات، ومع أن النظم الحضارية يؤثر بعضها في بعض إلا أن لكل نظام شخصيته المستقلة، هناك دول ليست ديمقراطية بالمعنى الصحيح لكلمة ديمقراطية، لكنها تقدمت اقتصاديًا أكثر من بعض الدول الديمقراطية، وهذا حصل عندنا في الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري؛ كان هذا قرن العمران والازدهار والعلم والعلماء لكن السياسة كانت تتقهقر، والدولة العباسية كانت تتفكك وهو مألوف أيضًا في الحضارات الأخرى؛ لذلك لا نستطيع أن نعطي أي حضارة تزكية كاملة قد تكون فيها جوانب مشرقة نعم لكن باستمرار هناك جوانب تحتاج إلى علاج وإلى إصلاح، والآن في الحضارة الغربية النظام الاجتماعي نظام بائس وضعيف بينما نظم السياسة والعدل تعمل أفضل من دول إسلامية كثيرة.
آفاق محددة
• لكن ماذا عن النظام التجاري الذي تدور معه الأنساق والنظم الأخرى؟
- النظام التجاري ثبت أنه أقوى النظم على الإطلاق؛ لذلك ذكرت أن الإنسان إذا كان معلمًا وتاجرًا ستنتصر التجارة وسيصبح تاجرًا، وإذا كان طبيبًا وتاجرًا سينتهي إلى أن يكون تاجرًا، وكان مهندسًا وتاجرًا سيكون تاجرًا وهكذا.. السبب في هذا أن كل المهن وكل التخصصات تعطيك في النهاية آفاقًا محددة للتقدم على حين أن التجارة تعدك بآفاق غير محددة؛ هناك تجارات تربح عشرة أضعاف لكن المرتب في النهاية مهما علا هو محدود، لذلك ينتشر في التجارة باستمرار الكذب والغش والخداع، والسبب أنها شديدة الجاذبية وشديدة التأثير على أخلاقيات الناس؛ لذلك الذي يعمل في التجارة يجب أن يتوقى الأيمان الكاذبة والغش.
• لكن التغيير الحضاري في الأنساق الأخرى هل بالضرورة أن يعتمد على النظام التجاري أو الاقتصادي؛ بمعنى إذا كنا نريد نهضة فلا بد من الإصلاح الاقتصادي؟
- في تصوري إذا أردنا رؤية للنهوض، فالنهوض لا يكون من النظام التجاري وإنما بالنظم التعليمية ابتداءً من رياض الأطفال إلى الدكتوراة؛ أن تكون لدينا مؤسسات تعليمية محترمة للغاية، وقوية للغاية، وأصيلة للغاية. صحيح أن النظام التجاري يؤثر على باقي الأنظمة لكنه لا يكون بداية النهضة لأي أمة.

د. عبدالكريم بكار
يعد د. عبد الكريم بن محمد الحسن بكار أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، حيث يسعى إلى تقديم طرح مؤصل ومجدد لمختلف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي.
وللدكتور بكار حوالي ثلاثين كتاباً في هذا المجال، لقي الكثير منها رواجاً واسعاً في مختلف دول العالم العربي، كما قدم د. بكار للمكتبة الصوتية أكثر من مائة ساعة صوتية مسجلة ومنشورة في مكتبات التسجيلات الصوتية.
ويحرص د. بكار على أن يقدم رؤاه الفكرية والتربوية من خلال مشاركته الواسعة في مختلف الصحف والمجلات العربية المتخصصة والعامة، حيث يكتب د. بكار مقالات دورية في مجلة البيان اللندنية ومجلة الإسلام اليوم الشهرية ومجلة "مهارتي" الصادرة عن جامعة الملك سعود وموقع "الإسلام اليوم"، كما يشارك باستمرار منذ أكثر من عشرين سنة بمقالاته ودراساته في عدد من المجلات الدورية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، للدكتور بكار نشاط مكثف على صعيد المحاضرات والندوات الفكرية والثقافية والدورات التدريبية، وشارك في المئات منها في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين وتركيا ولبنان ومصر والأردن وماليزيا والسودان. كما يقدم حالياً برنامجاً أسبوعياً في قناة دليل الإسلامية باسم "آفاق حضارية"، وبرنامجاًً شهرياً بقناة المجد باسم "معالي"، وكان د. بكار قد قدم برنامجاً تلفزيونياً أسبوعياً في قناة المجد باسم "دروب النهضة" لمدة عامين، وبرنامجاً إذاعياً أسبوعياً باسم "بناء العقل في القرآن الكريم" و وبرنامجاً إذاعياً أسبوعياً آخر باسم العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي استمرا لمدة سنتين بإذاعة القرآن الكريم بالرياض ، بالإضافة لاستضافته في برامج عديدة على قناة الرسالة وقناة اقرأ وقناة الناس والتلفزيون السعودي.
من جهة أخرى، قاد د. عبد الكريم بكار مسيرة أكاديمية طويلة دامت 26 عاما بدأت عام 1396ه / 1976م في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم (السعودية)، لينتقل بعدها إلى جامعة الملك خالد في أبها في عام 1409ه / 1989م حصل خلالها على درجة الأستاذية في عام 1412ه / 1992م وليبقى فيها حتى استقال منها عام 1422ه / 2002م ليتفرغ للتأليف والعمل الثقافي والفكري حيث يقيم في العاصمة السعودية الرياض.
وتركزت المسيرة الأكاديمية للدكتور بكار على تدريس اللغويات والتي شملت مواد المعاجم اللغوية، دلالة الألفاظ، الأصوات اللغوية، اللهجات العربية، القراءات القرآنية واللهجات، النحو، الصرف، المدارس النحوية وتاريخ النحو. كما قدم د. بكار خلال تلك الفترة عددا من الأبحاث والكتب المتخصصة والتعليمية في مجال اللغويات، وأسهم في النشاط الأكاديمي للجامعات التي عمل بها من خلال رئاسته لعدد كبير من اللجان العلمية، ورئاسته لقسم النحو والصرف وفقه اللغة لعدة سنوات، ومساهمته في وضع المناهج، والإشراف على البحوث، وتحكيم الدراسات العلمية.
حصل د. عبد الكريم بكار على البكالوريوس من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر (1973م/ 1393ه)، وعلى الماجستير في عام (1975م/1395ه)، والدكتوراه في عام (1979م/1399ه) من قسم أصول اللغة بالكلية نفسها بجامعة الأزهر، وكان عنوان رسالة الدكتوراه: "الأصوات واللهجات في قراءة الكسائي ".
ود. بكار عضو في المجلس التأسيسي للهيئة العالمية للإعلام الإسلامي التابعة لرابطة العالم الإسلامي (الرياض)، وعضو الهيئة الاستشارية بمجلة "الإسلام اليوم" (الرياض)، وعضو الهيئة التأسيسية لقناة دليل، وعضو في مجلس الأمناء لقناة سنا الفضائية (عمان).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.