المكان والحيز إطار يُحدد ويقيد حركة الانسان . فلا يستطيع أي إنسان أن يتغلب على هذه القيود إلا من خلال الوسائل التي اخترعها الانسان ووصل اليها بفكره وتفكيره. ووسائل التواصل اختزلت الشرق والغرب وربطت بين الامم والشعوب ، وأصبح القاصي أدرى واعلم بما يحدث في قرية نائية من بعض أهل هذه القرية. فالاعاقة الجسدية لم تعد عائقاً على حركة الإنسان ، كل ذلك بفضل من الله ثم بإبداع الفكر الإنساني الذي أوجد الحلول لمثل هذه العوائق ، فاخترع الطائرات والعربات والقطارات ووسائل التواصل من هاتف وتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي ، كل هذه المخترعات أتت من فكر ثاقب وجهد وعمل متواصل وتراكم معرفي طور الوسائل البدائية التي استخدمها الانسان القديم وسخرها لخدمته كالدواب والخيل وجداول الماء والأنهار للتنقل والحركة ، حتى أصبح الإنسان يغزوا الفضاء ويقهر الجاذبية . فالإنسان والمجتمع يستطيع أن يخرج من ضيق المكان وقهر الطبيعة وينير ظلمة الليل ويلطف حر الصيف ويخفف برد الشتاء، وذلك من خلال الفكر والعمل الجاد والاستفادة من الخبرة التراكمية للإنسانية ، ولكن اذا توجس الإنسان خيفة من هذه المعرفة وحاربها ووضع المبررات والأعذار لرفضها باسم محاربة التغريب وغير ذلك ، فإن المجتمع سيظل مجتمعا متخلفا عن العلم والمعرفة ، يعتمد على الغرب والشرق في مأكله ومشربه ودوائه وعلاجه . مجتمع لا يستطيع أن يقدم سوى السقيم ليحكم إغلاق الفكر. ومن هنا يتضح لنا أن سجن الفكر هو أقسى أنواع السجن قهراً واغلاقاً، وأخطر ما فيه أن هذا السجن لا يدركه السجين . بخلاف سجين الزنزانة يدرك انه خلف أبواب مغلقة. أن سجين الفكر لا ينفعه المال ولا المكان ولا الإمكانيات تستطيع أن تحرر الإنسان من سجن فكره. لِهَذَا فسجن الفكر أكثر قسوة من سجن المكان . فكم مفكر وعالم لم يمنعه قيد الحديد والأبواب الموصودة والمغلقة من التفكير والكتابة وتطوير الذّات . أما قيد الفكر فلا سبيل الي قهره الا بعودة الوعي . عودة الوعي هي السبيل الوحيد للخروج من سجن الفكر الظلامي الذي يقيد صاحبه ويرميه الي التهلكة ، سجن يرى المسيء انه يحسّن صنعاً، سجن الفكر لا يجعل الإنسان يرى جمال الحياة ، سجن يقيد صاحبه بالخوف من المجهول ، ورفض الآخر . سجن لا يدركه من يعيش فيه. فان سجين الفكر لا ينفعه مال ولا صحة ولا شباب ولا إمكانيات لأنه سجين من داخل فكره معاق بقيود فكره وقناعاته وتراثه الذي لا يرى غيره. وعودة الوعي تتطلب مراجعة النفس على المستوى الفردي ، وعلى المستوى العام تتطلب إعادة النظر في المناهج والخطاب الإعلامي والثقافة العامة وإشاعة ثقافة الحياة والإنتاج والعمل الجاد وقيم احترام الاخر والتنوع. osamayamani@