من أبرز «عجائب» وغرائب المنطقة العربية (الكثيرة) هي: انتشار الحركات الإرهابية المسلحة في كثير من أجزائها وبلدانها. وكما هو معروف، فإن هذه المنطقة يشار إليها عالميا ب«الشرق الأوسط»، ومن كثرة ما فيها من أعاجيب سياسية، يطلق البعض عليها أحيانا منطقة «شرق العجائب الأوسط». ويطول بنا الحديث لو حاولنا ذكر وتحليل هذه العجائب، التي من بينها، ولا شك، تواجد هذه الجماعات الإرهابية، التي تنشأ وتنمو وتتوسع، ثم غالبا ما تتوارى، أو تختفى فجأة، كما ظهرت فجأة. والمثال الذي سنسلط عليه بعض الضوء هنا هو: حركة «داعش»... وما يحيط بها من حيثيات، أقل ما يقال عنها إنها: من غرائب وعجائب هذا الزمن السياسية. وقبل أن نتطرق لهذه الحركة العجيبة، لنحاول التذكير ببعض أهم عجائب الشرق الأوسط الأخرى الراهنة. لا جدال أن أول وأبرز عجيبة سياسية هي: إقامة «دولة» في قلب المنطقة لمهاجرين أتوا من شتى بقاع الأرض، وتشريد شعب البلد المغتصب، وقتل وجرح نسبة كبيرة من سكانه الأصليين، وتدمير منشآتهم، ومصادرة ممتلكاتهم، بحجج أوهى من خيوط العنكبوت، أهمها أن: بعض أجداد عدد من هؤلاء الغزاة عاشوا في هذه البلد قبل ألفي عام...؟! وتكتمل هذه العجيبة بعدم اعتبار إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، على مدار الساعة، إرهابا... بينما تعتبر المقاومة الوطنية ضد القمع الإسرائيلي البشع إرهابا...؟! ومن العجائب ظهور جماعات تستغل الدين للهيمنة على الآخرين، وتسخير مقدراتهم لرغباتها وشهواتها... مدعية أنها تمثل الدين الإسلامي، ومحاولة فرض مفهومها (المريض والمغرض) لهذا الدين لاستعباد الآخرين. وباسم الدين ذاته ترتكب أبشع الجرائم، وأفظع الخروقات لكل حقوق الإنسان، الأساسية والمكملة. ولا يشك مراقب عاقل لحظة أن لقوى الغرب المتنفذ «دوراً» مباشراً، وغير مباشر، في خلق ودعم كثير من هذه الجماعات المسلحة، وبخاصة تنظيمي القاعدة وداعش. فمن أبرز حيل هذه القوى ومظاهر دهائها (أو خبثها، لا أدري) هي أنها أحيانا تخلق «عدوا» في وقت معين، لتحاربه في وقت «مناسب» آخر، بعد استخدامه لغرض محدد. ومن العجائب أن تفرض بعض القوى الإقليمية والعالمية على بعض شعوب المنطقة أنظمة قمعية، تعمل ضد شعبها وأمتها، ولصالح هذه القوى. والنظام الأسدي السوري هو المثال الآن على هذه العجيبة. أما انتهاك حقوق الإنسان في بعض أرجاء هذه المنطقة، فإنه ممارسة يومية لبعض القوى. ولا يهب الغرب المتنفذ ضد هذه الانتهاكات إلا عندما تبدر من قوى وأطراف غير موالية له. وفي الوقت الذي بدأت تسود المبادئ السياسية النبيلة معظم القارات الست، نجد أن بعض بلاد هذه المنطقة لا تعرف هذه المبادئ، ناهيك عن أن تستفيد من تطبيقاتها. كل هذه العجائب جعلت أغلب هذه المنطقة هي أكثر مناطق العالم سخونة واضطرابا وعدم استقرار. وانعكس ذلك بالسلب على وضعها الحضاري، والتنموي. إنه الاضطراب السياسي الذي يسمى «عدم الاستقرار السياسي» الظاهر والخفي، والذي يسود كثيرا من أنحاء هذه المنطقة، بسبب توفر «أسباب» نشوئه، ذاتيا وخارجيا. أصبح منظر بعض المدن وقد تحولت إلى خرائب، وأثر بعد عين، تنتشر فيها الأطلال وجثث الضحايا ورائحة الموت، منظرا مألوفا. إضافة إلى صور الحروب والقتل والتدمير، وتفشي الأمراض والأوبئة والمعاناة الإنسانية القاسية، وهروب الناس كلاجئين إلى المجهول...إلخ، مما يعرفه القارئ، ويشاهده يوميا على شاشات التلفاز، وغيره. *** يحدث ذلك في منطقة لو توحد العنصر السائد فيها لشكل دولة عظمى... أو لو اتحد اتحادا منطقيا لأصبح له ثقل الدولة العظمى، لأن ما تملكه المنطقة من موارد بشرية ومادية، إن استغل بشكل صحيح، كفيل بجعلها واحدة من أهم الكتل الدولية في عالم اليوم. ومرة أخرى، نقول: إن ما أوصل معظم هذه المنطقة إلى ما آلت إليه هو: «أسباب» ذاتية وخارجية، سبق لكاتب هذه السطور أن أشبعها تحليلا. وعندما نفكر جادين في الخلاص، وإخراج هذه المنطقة من مأساتها المزمنة هذه، لا بد أن نتعامل (نعالج) الأسباب الداخلية والخارجية، وهى مسببات مترابطة ومتداخلة أشد التداخل. يركز هذا المقال والذي يليه على أبرز الميليشيات الإرهابية التي تتواجد بالمنطقة الآن، لتزيد طينها بلة. ومن السابق لأوانه أن نفرح بقرب انهيار «داعش»، التي تتمدد في كل من العراق وسوريا، رغم أنها الآن تترنح، وتكاد تطرد من كل التراب العراقي، بعد هزيمتها الساحقة الأخيرة، واسترداد مدينة الموصل منها. وقد كانت هذه المدينة وبما كان فيها من موارد وأموال، هي «جوهرة التاج» لما تسميه داعش «دولة الخلافة»، ويسميه العراقيون «دولة الخرافة» الإسلامية، حاشا دين الله القيم. ولهذا الحديث صلة.