بعيدا عن التفسيرات الكثيرة والتحليلات المتتالية التي ملئت بها الصحف ووسائل الإعلام عن داعش وخطرها، وفي ضوء مراقبة المشهد الذي تدور فيه المعارك في مناطق عربية كثيرة، نجد أن ثمة عقلا شيطانيا كبيرا جعل الإسلام متهما بإراقة الدماء وذبح البشر، وجعل من المسلمين مشاريع إرهابية في عقل العالم اليوم. كيف نفسر ما يتعرض له الناس من ظلم واضطهاد وقتل وتشريد وتهجير على يد عصابات مجرمة تسيء للدين وتشوه وتنفر الناس منه، وكلها للأسف باسم الدين من داعش إلى النصرة إلى القاعدة وأسود دولة الإسلام، وصقور دولة الإسلام، وأنصار الدولة الإسلامية، وأنصار الشريعة، وجند الله، وحزب الله، وأنصار الله، وكلهم سواء في التطرف والإرهاب وقتل المسلمين، ما يؤكد أن جميعهم أحباب الشيطان وأمراء الظلام يسعون لتنفيذ مخططات أجنبية على ترابنا العربي، وتمزيق نسيجنا الاجتماعي وهويتنا الإسلامية وقيم مجتمعنا الدينية وإعادة صياغة خرائطنا الجغرافية. ليس هناك أدنى شك اليوم أن داعش والقاعدة ومن على شاكلتها من المنظمات الإرهابية مؤامرة كبرى وصناعة شيطانية مخابراتية قذرة، يراد بها بث الفرقة والتنازع بين المسلمين، وهدم وتدمير السنة وإدخال المنطقة العربية في أتون الفتن المذهبية باستعمالهم لورقة الطائفية والتكفير والإرهاب في صراعاتهم الإقليمية الهمجية والقتل على الهوية من أجل تقسيم العالم العربي إلى دويلات فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد وفق العرق والطائفة والمذهب، وإشاعة الفوضى المدمرة التي تهدم مجتمعاتنا وتعيدها مجتمعات بدائية. لعل من أهم ما أفرزته الأحداث الأخيرة، وأنهار الدم المسفوك بسبب داعش والصراعات الدامية والفوضى الطائفية، أنها كشفت هذه المنظمات الإرهابية وعرتها ولم تعد تنطلي على أحد، فقد سلطت الأضواء الكاشفة والفاضحة لحالات القتل والتدمير والحقد المدعومة من الحليف الأجنبي، الأمر الذي ساهم في إسقاط الصورة البراقة للإسلام في نظر الكثيرين في مشاهد إجرامية وحشية تفوق الوصف وتثبت بالدليل القاطع أنها لا تمت للدين الإسلامي بصلة، وأنها مجرد بذرة شيطانية يراد به تمزيق المنطقة برمتها. تبدو المفارقة العجيبة في أن الخلافة الإسلامية المفضوحة التي تنادي لها داعش تمارس اليوم كل القتل والتفتيت والدمار لا تحلل حلالا ولا تحرم حراما.. وتحرق الأخضر واليابس في طاحونة عنف تأخذ معها الرقاب والأوطان الإسلامية تحت وطأة الشحن الطائفي المفزع، وبذريعة إقامة دولة الخلافة الإسلامية، في تشويه واضح وسافر لصورة الإسلام وقيمه السمحة، في حين أن الخلافة الإسلامية الحقيقية قد تجلت في ذلك الموقف قبل 15 قرن حينما دعا الخليفة الراشد أبو بكر الصديق جيش المسلمين الذي خرج دفاعا عن المدينة من الاعتداء للرفق بالشجر والحجر وهو يخاطب أسامة بن زيد حين أوصاهم «لا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا تعزقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرا مثمرا ولا تذبحوا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل» هذا هو إسلامنا!. إن القفز على الحقائق ومحاولة تضليل الناس من قبل هذه الجماعات والمزايدة من بعض الكتاب لم يعد مبررا في ظل اندفاعات داعش الهمجية والدموية في آن واحد، سواء في سورية أو العراق أو في مناطق أخرى، وجميعها تصب في مصلحة الحاكم المتسلط هناك، وبإسناد من دول أجنبية ذات مصالح أمريكية كخنجر في خاصرة الأمة يدق جسد المسلمين ويعيق تنميتهم، فداعش منظمة إرهابية ظلامية وحشية دخيلة على أرض العراق وسورية فتحت شدقيها لقطع الرؤوس والبشر هناك بوحشية مقيته لا يقرها الإسلام، وها هي اليوم تزحف نحو لبنان تعيث فيها قتلا وفسادا وإرهابا، وتستثمر اضطهاد الناس ومظالمهم لمشاريعها وأجندتها، فتسرق أحلام الناس في حياة آمنة وتقودهم إلى المهالك. داعش نبته شيطانية تنمو نمو الطحالب في المياه الآسنة، ترعرعت في عقول أولئك الذين يقدمون أنفسهم كدعاة ومرجعيات دينية، وشيوخ متأسلمين لا يفقهون من الإسلام إلا اسمه ويصوبون سهامهم ضد أرضهم فيزبدون ويحرضون ويجيشون البسطاء للنيل من أمننا. حتى لو ازدان هؤلاء المجرمون بلحاهم البيضاء والحمراء وأثوابهم البالية، التي يعتقدون أنها هي الإسلام. كما ساهمت كثير من الدول في صنعها وتحالفت معها ووظفتها لخدمتها ورؤيتها ولكنها ستكتوي بها، فمن يلعب بالنار لن يحصد سوى الحرائق والدمار، والإرهاب لن يولد إلا إرهابا. ومن يجعل الضرغام بازا لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا وكما صوره المثل العربي في صورة بائسة: وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا إن حجم المؤامرة يستدعي إيقاف هذا المخطط التآمري الذي تحول إلى أنهار من الدماء، ولذلك هي دعوة لرجال الدين والفكر والثقافة والسياسة وقادة الرأي والإعلام والصحافة أن ينقلوا للناس خطر هذه الجماعات المجرمة التي تتاجر بالدين وتلعب بعواطف العامة ومشاعرهم؛ لإطفاء هذه النار المشتعلة قبل استشرائها، ولنقتلعها من جذورها، ولم الشمل ونبذ الطائفية التي تنمو عليها داعش وأخواتها. وعلى صعيد التداعيات الحاصلة اليوم، علينا في هذا البلد الحذر والحيطة لمواجهة التحدي والتهديد، حتى لا نقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه جيراننا وأشقاؤنا قبل فوات الأوان، والتنبه لما يحيكه الآخرون لتمزيق صفنا. علينا أن نتنبه أننا مستهدفون في ظل الأوضاع الأمنية والفوضى العارمة والاضطرابات التي تشهدها المنطقة، والتي انعكست على ضياع الأمن وتهديد الآخرين، فعندما أصيب الآخرون في أوطانهم كانوا يعتقدون مثلنا أنهم في طمأنينة وأمان حتى دارت عجلة التاريخ واحترقوا من أبناء جلدتهم السذج وصغار السن، ومن شبابهم المغرر بهم الذين زج بهم إلى معركة لا علاقة لهم بها ولا يعون خفاياها وأهدافها ومآربها تحت يافطة الدين وعباءة الدولة الإسلامية. ودامت بلادنا والأمة سالمة.