salkhashrami@ لا يزال الروائي السوداني أمير تاج السر شهيراً بعوالم رواياته الغرائبية، إذ نحت لاسمه مكاناً لامعاً في الرواية العربية، وكانت روايته «منتجع الساحرات» إحدى الروايات التي وجدت لها مكاناً في القائمة الطويلة للبوكر، ويؤكد تاج السر في حوارٍ مع «عكاظ» أنه «لا ينبغي أن يتم تناول موضوع الجوائز بسلبية، على المبدع أن يستمر، هذا هو المطلوب»، مشدداً على أن الكتابة في الوطن العربي لا يمكن التفرغ لها، وأشاد بالرواية السعودية. تقرأون الكثير في هذا الحوار: • «منتجع الساحرات»، رواية دخلت إلى البوكر، هل تراها تستحق ذلك؟ وهل يؤمن تاج السر أن الجوائز العربية منصفة؟ •• لا أحد يستطيع أن يقرر إن كان نصه يستحق أن ينافس على جائزة أم لا. صحيح أن الكاتب أي كاتب حتى لو كان مبتدئا، ينبغي أن يحب نصه، وأن يسعى لإخراجه للقراء بصورة مرضية، مع بذل جهد كبير، وإن حدث أن هذا النص تم ترشيحه لجائزة، هنا ينبغي أن يقف الكاتب موقف الحياد، ربما كان النص يستحق فعلا، وقد أثمر فيه الجهد. الجوائز الأدبية قلت كثيرا إنها مكسب مهم للإبداع الذي كان في ما مضى مهمشا بشدة، ولا يتذكره أحد، الآن والحمد لله، هناك عشرات الجوائز الأدبية التي تمنح للمبدعين في شتى مجالات الإبداع، وبالتالي هناك تكريم يناله البعض ويسعى البعض الآخر لنيله، ولا ينبغي أن يتم تناول موضوع الجوائز بسلبية، على المبدع أن يستمر، هذا هو المطلوب. • يرى البعض أن غزارة الإنتاج تضعف المنجز السردي، إذ يؤكد أحدهم أنك ترضي بعض الدور بمنحها روايات جاهزة، هل ترى أن الغزارة الإنتاجية تضعف العمل الفني، وكيف يرى أمير غزارته الإنتاجية؟ •• الكتابة عمل احترافي، أي وظيفة تشبه الوظائف الأخرى، فقط في الوطن العربي لا يمكن التفرغ لها كليا لأن العائد لا يغطي مصاريف الحياة، وبرغم ذلك هناك كتاب تركوا وظائفهم منذ زمن وتفرغوا للكتابة. الكاتب صاحب المشروع، لا يتوقف عن المضي في مشروعه، ولا يستحي من بذل الجهد بدعوى أنه سيوصف غزير الإنتاج، أنا منذ فترة، أحاول الاستمرار، وبالتالي ربما أنتج عملا في كل عام، وهذا ليس عملا كثيرا، في الغرب ينتج الكاتب عملين أو أكثر، لأنه موظف متفرغ، المسألة خاضعة لنشاط الكاتب عندنا أو لجديته من عدم جديته، وبالنسبة لضعف الأعمال مع غزارة الإنتاج، هذا ليس صحيحا أبدا، الكاتب الذي نال خبرة، حين يعثر على فكرته يكتبها بأدواته التي يكتب بها دائما، وما لم تشخ تلك الأدوات أو تتكسر، يظل الكاتب هو نفسه في كل نص، وصراحة لا أحس بأنني أرتكب جرائم حين أكتب كل عام. وبالنسبة للنصوص الجاهزة، التي أرضي بها الناشرين، هذا ليس صحيحا أيضا، عندي ناشري الذي أتعامل معه دائما، وأحيانا أنوع النشر، أملا في الوصول لقراء آخرين. • هل تستطيع الرواية العربية أن تقتحم العالمية، وأن تحفر لها مكاناً في ذاكرة الأدب العالمي، وكيف يمكن لنا أن نحقق العالمية؟ •• ممكن طبعا أن يحدث ذلك، فقط لو تم دعم تلك الرواية بواسطة المؤسسات الكبرى لدينا. نحن نترجم الآخر منذ زمن طويل، ونسوقه أيضا، ولكن من النادر أن يترجمنا أحد، ينبغي أن ينشط الدعم بطريقة عكسية، نختار آدابنا المهمة، ونسوقها باللغات الكبرى مثل الإنجليزية والفرنسية، وهذا ما فعلته مؤسسة كتارا للروايات الفائزة بجائزتها، لكن الأمر ما زال في البداية، وينبغي أن يستمر ليقوى أكثر، وينبغي أيضا التعامل مع دور نشر عالمية راسخة من أجل التسويق، لأن الترجمة وحدها لا تكفي، ولن يكون النص مؤثرا إلا لو تم تسويقه بشكل جيد، هناك كتاب عديدون ترجموا ولم يحدثوا أي أثر، وظلت كتابتهم راكدة، قرأها أشخاص مهتمون بالأدب العربي، وقليلة تلك النصوص التي وصلت لقاعدة الغرب الجماهيرية. الموضوع يحتاج لنقاش كبير، ومعالجات شتى. • في كل جائزة، يظهر نقاد يقللون من اللجان المحكمة، إذ يكتفون بالاطلاع السريع على العمل الروائي.. كيف يقيم أمير تاج السر هذه اللجان، في كتارا أو البوكر أو غيرهما من الجوائز العربية؟ •• لقد عملت محكما في جوائز من قبل، وأعرف أن لجان التحكيم تقوم بقراءة كل ما يرد إليها من أعمال، وحتى تلك الأعمال التي لا تشبه الأدب في شيء، وليست في أفضل أحوالها أكثر من خربشات أراد مرسلوها أن يغامروا بما لا يعرفونه، ينبغي الاطلاع عليها. والعمل الجيد يبرق من الصفحات الأولى، ويشجع على قراءته كاملا. الموضوع إذن أن يقرر المحكم أولا إن كان هذا النص رواية أم لا، يحمل ملامح الرواية أم لا، بعد ذلك يبحث عن التفرد في النصوص، إن كان النص متميزا فعلا، أم محاكاة، أم تائها بلا بصمة، هناك محكمون ذائقتهم مستقرة ويميلون للأعمال الكلاسيكية، هناك من يحبون التجريب، وفي النهاية تخضع مسألة الاختيار لنقاشات كثيفة ومطولة من أجل الاختيار النهائي. هذا ما أعرفه عن تحكيم الجوائز، ولا أعرف خلافه. ومعروف أن اختيار الفائزين في أي جائزة مهما روعي فيه من دقة، لا بد أن نجد من يعارضه، ويتفه من شأن الفائزين، وينتقد. هكذا تحصل الجوائز على الصيت، من ردود الأفعال السلبية وليس الإيجابية. • أيهما أكثر جدية وحداثة ومواكبة، الرواية العربية أم النقد العربي، ولماذا؟ •• الرواية العربية طبعا، فقد تشعبت وتطورت وتكاثر عدد كتابها، وأيضا أصيبت بالمرض، والنقد الأدبي، لا يستطيع المواكبة. وهذا ليس ضعفا في النقاد ولكن صعوبة في المتابعة من كثرة المعروض، فالناقد ضائع في ذلك التراكم ولا يعرف لمن يقرأ، وفي نص من يطبق نظرياته، إنها إشكالية كبرى، وبرغم ذلك هناك نقاد يحاولون أن يخرجوا بشيء. • ما هي علاقة أمير تاج السر بالرواية السعودية، وكيف يراها، وأين يضعها في تراتبية الرواية العربية عموماً؟ •• الرواية السعودية تواكب التطور الحادث في الرواية العربية، وتبدو ثابتة ومشعة في المشهد الثقافي العربي، وهناك كتاب سعوديون مميزون للغاية، ويحترمون كتابتهم وقارئهم، هناك كتاب من جيلنا مستمرون في الإبداع بجهد كبير مثل عبده خال ورجاء غانم، وبدرية البشر، هناك جيل آخر، وفيه يوسف المحيميد مثلا، وقرأت للشباب أمثال محمد حسن علوان، وطاهر الزهراني، هناك كثيرون يسيرون بخطى واثقة وثقة. • هل يحرص الروائي أمير تاج السر على ترجمة أعماله إلى لغات أخرى؟ ولماذا لا تتم ترجمة الأعمال إلى لغات مثل الإندونيسية أو الفلبينية، ولماذا يحرص الكتاب على ترجمة أعمالهم إلى الفرنسية والإنجليزية مثلاً؟ •• أنا من الكتاب الذين لديهم وكيل أدبي، وهي وظيفة مهمة في الغرب ولا توجد لدينا حتى الآن بحسب علمي، فالوكيل هو من يروج لأعمال الكاتب خارجيا، ومن يحصل على إمكانية ترجمة لها، هو يطرح العمل لمختلف اللغات، ويرى أي لغة تقبله، ولا أظن أنني سأرفض الإندونيسية أو الفلبينية لو حصلت على ناشرين هناك، الإنجليزية والفرنسية، لغتان رئيسيتان، والترجمة إليهما قديمة، لذلك يظل الطريق إليهما معبدا أكثر. • لا نجد الرواية الفلسفية حاضرة في العالم العربي، بينما تغرق في مواضيع تكاد مستهلكة، والمتاجرة بالقضايا، كيف يمكن للرواية العربية أن تكون قادرة على خلق رؤى قادرة على غربلة الأفكار السائدة؟ •• لا أتفق معك هنا، فالأفكار واحدة في كل مكان، فقط توجد أفكار تناسب بيئتنا وأفكار لا تناسبها، فليس من الممكن مثلا إنشاء قتال بالأسلحة، وسرقة للمصارف داخل نص عربي لأن ذلك خارج مجتمعنا، والفلسفة يمكن استدراجها للنصوص العربية، ولكن بحذر، وهناك من كتب عن هذه الأمر. الأفكار موجودة ومكررة، وفقط على الكاتب أن يجتهد في العثور على طريقه الخاص، وهو يكتب الأفكار. بالنسبة للقضايا، فلا أعتقد أن معالجتها بطرق مختلفة، تعد تكرارا، أنا أعتبرها إضافة. • البعض من الروائيين يناشد الدور بوجود محرر أدبي على غرار ما يوجد في دور النشر الأمريكية مثلاً لضمان معايير اللغة الأدبية وأيضاً التسويقية التي تعود بالنفع على الدار والكاتب. ما رأي أمير تاج السر حول «المحرر الأدبي»، وما هي الجدوى من وجوده أو عدمه؟ •• نعم، أعرف المحررين الأدبيين، وتعاملت معهم في الأعمال التي ترجمت لي للغة الإنجليزية، وهو غير المصحح الأدبي الذي يكتفي بتصحيح اللغة، وتصويب الأخطاء، المحرر موظف كبير في الكتابة، هو يقترح الإضافات والحذف، ويسعى مع الكاتب إلى ضمان جودة النص قبل طباعته، وشخصيا أعمل في تحرير النصوص التي ننتجها في ورش الكتابة التي أقوم بالإشراف عليها، وأعرض النص بعد تحريره للكاتب، لأحصل على موافقته، هي مهمة عسيرة خصوصا إن كان الكتاب متعالون، ولا يحبون التدخل في كتابتهم، وهذا ما يحدث عند الكتاب العرب. أعتقد الوظيفة هذه برغم أهميتها، لن تنجح لدينا.