لا توجد في الثقافة العربية جائزةٌ أثير حولها لغلطٌ كجائزة البوكر. وكأن الأوساط الأدبية العربية كانت تنتظر هذه الجائزة، لتفتح جبهة صراع جديدة مع كل دورة تختتم من النسخة العربية للجائزة الإنجليزية الأصل. الشائعات حول الجائزة لا تنتهي، لذا أردنا بعد انتهاء الدروة السابعة في أبو ظبي، أن نلتقي رئيس مجلس أمناء جائزة البوكر العربية، البروفسور منذر سليمان؛ ليعلق على بعض ما بدا وكأنه بديهياً ومسلماً عند الحديث عن البوكر، من جغرافية توزيع الجوائز إلى توجيه الجائزة وقضايا أخرى، تعد بمثابة مدخل أولي لفك بعض ملابسات الجائزة الأشهر في الرواية العربية. * نبدأ من القائمة القصيرة، حيث أشيع أن وجود مُحَكم من العراق أوصل روايتين عراقيتين ثم فازت واحدة؟ - قيل هذا الكلام وأيضاً، وجود محكمة من المغرب في لجنة التحكيم، أوصل الرواية المغربية إلى القائمة القصيرة. أولاً، لابد أن نتذكر أن في الدورة الأولى من الجائزة، كان رئيس اللجنة من العراق (صاموئيل شمعون) ولم تصل إلى القائمة الطويلة وبالتالي القصيرة والفائزة أي رواية عراقية وفي نفس الدورة كان هناك محمد برادة ومحمد بنيس من المغرب ولم يتم اختيار رواية واحدة من المغرب في القائمة الطويلة. إذا كان التعامل مع هذه المسألة بهذه المنطقية، كيف نفس هذا الأمر، في السنة الأولى محكمان مغربيان ولا تصل رواية مغربية للقائمة الطويلة وهذا العام توجد محكمة مغربية وتم اختيار روايتين. عفواً أين تقف أنت؟ هل تقول إن هذه تنقض تلك أم ماذا؟ هنا ندخل في واقع المؤامرة. والسؤال: هل حدثت مصارعة في داخل الجائزة وتنازلت المحكمة المغربية عن الجائزة للمحكم العراقي. حقيقةً هذا استهتار بمحكمين لديهم مهنية عالية وذائقة خاصة بهم؛ عملوا عملاً طويلاً جداً. نحن قلنا إن لجنة التحكيم هذه، ارتأت أن توصي للقارئ العربي بأن في رأيها في هذا العام أن هذه الرواية هي رواية متميزة ولم تقل اللجنة إن هذا العمل المتميز بالتأكيد. لاحظ عملية الاحتراز (في رأينا) و(نوصي) ولم نقل (نقرر). هذا هو القرار الذي نأتي به، لكن دائما يحمل هذا القرار بأن هذا القرار به حتمية وقطعية. وهنا أقول إن بعض الروايات التي لم تفز بالماضي قد يكون لها رواج ونجومية في المستقبل أكثر من روايات فازت وجائزة البوكر لا تقول إن هذه الرواية الفائزة وخلال مسار العقد القادم، ستكون الرواية الصاعدة باستمرار والمتميزة. ثمة اهتمام من قبل الجائزة، بجودة وتقنيات العمل الأدبي. يشرف المشروع الروائي السعودي أن المرأة عامل فاعل فيه البوكر ليست جائزة وحسب وإنما منظومة ثقافية * مما أثير أيضاً، ربما تأثر قضية كبرى في السياسة والإعلام على الجائزة وأن تفوز مثلاً رواية سورية، مثلاً؟ - وهناك أيضاً من سأل أن روايات القائمة القصيرة لا تمت لواقع الربيع العربي بصلة. لو راجعنا الروايات الست من المغرب للعراق مروراً بمصر، لوجدنا حقاً أن لا علاقة لها بالربيع العربي. هنا نتحدث عن رواية يقوم الكاتب الروائي باقتناص مادته من الواقع ويقوم بصياغتها صياغة جديدة بحيث تتحدث عن الواقع من منظار فني وليس من منظار مؤرخ أو عالم سياسة، كي نربط الروايات الست بالربيع العربي. الكاتب من خلال العمل الفني قد يوحي للقارئ بأنه يتحدث عن الحقيقة كما تجري. * ثمة اتهام للجائزة أنها تُوجه من خلال اختياراتها لموضوعات وقضايا معينة عبر الروايات الفائزة؟ - هل لدى هؤلاء دليل على ما يقولون. ومن هو الذي يوجه. لاحظ معي، حتى الآن، ومع أن الجهة الراعية للجائزة مادياً هي (هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة)، ولكن حتى الآن لم يفز بالجائزة أي كاتب من أبو ظبي أو دولة الإمارات؛ ليس هذا تحاملاً على هؤلاء الناس وليس لإثبات استقلالية الجائزة. من هو الذي يوجهنا، هل توجهنا أمريكا أو إسرائيل!. من الذي يوجه. لا أحد يوجه الجائزة. الآن تستطيع الحديث بحرية أكثر مع المحكمين ومع الدكتور سعد البازعي (رئيس اللجنة). لا علاقة لمجلس الأمناء الذي أنا فيه، بأي عملية نقدية أو تحكيمية. وصدقني أن بعض المحكمين لم يلتقوا بأعضاء مجلس الأمناء إلا عشية حفل الإعلان عن الجائزة. الوحيد الذي يعرف مجلس الأمناء هو رئيس اللجنة الدكتور سعد البازعي الذي يأتي دائماً، ليقدم تصوراته عن مجريات الأمور وينصح الجائزة وهو لا يقول لنا ما يحدث، بل يقدم مقترحات لتطوير الجائزة. كي نطور من آليات العمل من عام لآخر. لذا أقول إن هذه الجائزة بعيدة عن التسييس ولا توجيه فيها ولا محاصصة. ومسألة إخراج القائم الطويلة والقصيرة ومن ثم العمل الفائز، هذه العملية متروكة مئة بالمئة للجنة التحكيم وهذه اللجنة تم اختيارها ضمن معايير، منها: يجب أن لا تطغى فيها دولة على أخرى وأن يكون بها من المشرق والمغرب العربي وأن يكون بها رجال ونساء. أن يكون فيها أجيال عمرية متفاوتة وأن يكونوا على قراءة دائمة للرواية وأن يكونوا بالتأكيد ذوي خبرة نقدية روائية. وكما اسمع كالآخرين، أنهم عندما يجتمعون يعتقدون بداية أن هذه الرواية هي الأفضل، ثم يتغير الرأي من خلال النقاش وتجد في النهاية أن الآراء تتغير وتتبدل حتى يصلون للقرار. الروائي لا يكتب للنقاد فقط بل للقراء كل لجنة تحكيم تتشكل تقرر آلية العمل الخاصة بها استخراج القوائم والفائز متروك مئة بالمئة للجنة التحكيم * قلت إن لا محاصصة في الجائزة ولكن البعض يشعر أن ثمة شيء من هذا القبيل؟ - لو أن أربعة أعوام تفوز رواية من بلد واحد، لا يؤثر في الأمر دام المرجع هو للحكم الفني. أنت تتذكر أن السعودية فازت مرتين وكذلك مصر، هل لأن هاتين الدولتين ذاتا مساحة جغرافية كبيرة، يحق لهما الفوز مرتين؟ لا طبعا. * بالنسبة لآلية التحكيم، هل ثمة تصويت وأغلبية على الرواية الفائزة أم ماذا؟ - لا أعلم. كل لجنة تحكيم تشكل، تقرر آلية العمل تصويتاً كان أو غير ذلك. ما يعرفه رئيس مجلس الأمناء في الجائزة، أنه إذا حدثت مشكلة داخل اللجنة يأتون إليه ويسألونه عن رأيه في المشكلة. عادة وفي معظم الأوقات لا يعرف رئيس مجلس الأمناء بشيء لأنه لا تحدث مشاكل على الإطلاق. إذ إن هؤلاء المحكمين مهنيون ولديهم أخلاقياتهم العالية ويعرفون بأن الصدق والقناعة في الحكم أمر ضروري جداً وهم قادرون على الأخذ بالرأي وأن يستمعوا وينقضوا وأن يصلوا للنتيجة التي على ما يبدو حملت أكثر مما تحتمل. الأمر الهام الآخر، هو أن لجان التحكيم لا تعتقد أن الروائي يكتب للنقاد فقط بل للقراء بالتأكيد والناقد يختلف عن القارئ. القارئ هو ناقد مؤجل لديه استكناه لعناصر يحبها في الرواية ويفهمها لكن الناقد الأكاديمي أوالبحثي له معايير أخرى. لذا يجب أن لا ننسى القارئ لأن الرواية في نهاية المطاف موجهة للقارئ. * بعد سبع دورات، كيف وجدت تأثير جائزة البوكر على التركيز بالرواية في العالم العربي؟ - لدينا مؤشرات أن الروايات التي تصل للقائمة الطويلة أو القصيرة، يكون هنالك زيادة في الإقبال عليها وعلى مبيعاتها بطبيعة الحال. مثلاً، العام الماضي، تم الإعلان عن فوز رواية سعود السنعوسي (ساق البامبو) في شهر أبريل. وفي أكتوبر العام الماضي كانت رواية السنعوسي طبعت ثلاث عشرة طبعة، غير الطبعات المزيفة لهذه الرواية في بعض البلدان وفلسطين هي الأولى، لأن الكتب العربية لا تصلها. تصلهم نسخة واحده وتستنسخ. حتى إن سعود السنعوسي عندما ذهب لنابلس في فلسطين كان يوقع على كتباً مستنسخة، وعندما سألته، علق: " أعرف ذلك، هؤلاء الناس يريدون أن يقرأوا والاحتلال يمنع دخول الكتب إليهم، ماذا أفعل، ليستنسخوا دام أن هناك قراءً يحبون القراءة". الطبعات إذاً في ازدياد والناشر لا يطبع طبعات جديدة إلا إذا كان هنالك طلب على الكتب لأن الناشر لا يريد أن يكدس الكتب. لا ننسى أن من أهداف الجائزة أنها تشجع على نقل بعض الأعمال الناجحة إلى اللغات الأخرى. وفي قوانين الجائزة، أن العمل الناجح تضمن له الجائزة أن يترجم إلى اللغة الإنجليزية وتدفع تكاليف الترجمة. وكما هو معروف أن روايات من القوائم القصيرة السابقة، ترجمت إلى اثنين وعشرين لغة. أضف إلى ذلك أننا نقوم باستضافة هؤلاء الكتاب إلى مدن الثقافة والأدب في أوروبا ونقوم بتقديم هؤلاء الكتاب إلى القاريء العادي. وفيما يخص الترجمة، نحن نستوجب أن يكون من بين الحكام محكماً غير عربي وطالما أن اسمها الجائزة العالمية للرواية العربية فنريد أن نأتي بآفاق عالمية ثانياً نريد من خلال هذا المحكم أن نفتح سوقاً جديدة للرواية العربية، خذ مثلاً، عندما كان لدينا محكما اسبانياً، ومن خلال هذا المحكم دخلنا في شراكة مع مؤسسة نشر إسبانية ممتازة يطبعون أربعة أعمال من أعمال القائمة القصيرة إلى الإسبانية وبالتالي إلى الدول الناطقة بالاسبانية كأمريكا اللاتينية. والآن لدينا حضور في أمريكا اللاتينية بعد أن أجرينا هذا العقد لمدة ثلاث سنوات. نريد أن نفتح الأدب الروائي العربي على العالم. لدينا روايات ترجمت إلى الصينية والصربية والعبرية والبولندية والروسية..الخ. * لديكم ورشة لتدريب الكتاب الواعدين لو تخبرني عنها؟ - إن يكون الكاتب لديه تجربة أولى، يأتي ويقضي أسبوعاً مع مدربين إما فازوا بالجائزة أو وصلوا للقائمة القصيرة ويتدرب هؤلاء الكتاب العشرة على الكتابة. خذ مثلاً، أحمد سعداوي الفائز بالجائزة هذا العام، كان ضمن الورشة واشرفت عليه انعام كاججي التي وصلت أيضا للقائمة القصيرة. أي إن لكل كاتب واحد مشرف واحد، ثم نقرأ على المجموعة والمجموعة تعطي أفكارها إلى آخر هذه العملية الطويلة التي تنتهي بأن نقوم بنشر هذه الأعمال عندما تكتمل باللغة العربية. وهنا نحن نفتح هؤلاء الكتاب على فضاء أدبي أوسع، نحن لا نأخذ النجومية فقط بل نزرع معهم حتى يقومون ويزرعون للأجيال القادمة. * كيف يمكن أن يشترك الكاتب "الواعد" في ورشة الكتابة الإبداعية هذه؟ - يتواصل مع الجائزة وتدرس طلبه ثم ينضم إذا استوفى الشروط الفنية. العدد لا يزيد عن العشرة كتاب. يلتقون جميعاً في منتجع يعيشون فيه يومياً بعيداً عن المدينة بلا سيارات ولا تواصل ليتفرغوا للكتابة الروائية والنتائج بالتأكيد كانت وستكون باهرة. نحن الآن بصدد تطوير هذا الورشة. وهنا أنوه لأن البوكر ليست جائزة وحسب وإنما أصبحنا منظومة تقوم بالترجمة والتدريب وإقامة المنتديات. خطأنا أننا لا نعرف الناس على مشروع الجائزة. * بروفسور سليمان، أنت و"البوكر" كتجربة، ماذا أعطتك هذه الجائزة ماذا أخذت منك؟ - ما وهبتني إياه هذه الجائزة، هو السعادة بأن يكون لي دور صغير جداً في دعم مسيرة الأدب والرواية العربية. كما أعطتني متعة النظر عندما أرى أن الأديب أصبح يحتفى به في العالم العربي والروائي عندما يراه الناس في الشارع قد يعرفون. يسعدني أن هذه الجائزة والرواية، اخترقتا الجغرافيا السياسية في البلاد العربية وصارتا تأتيان بالعربي والمغربي وتجمعهما في احتفالية واحدة. تجربة الجائزة أعادتني إلى أن مواقع الأدب هي أرضية تدفعنا لأن نتجاوز هذه القضايا التي تفرقنا ولا تجمعنا. أعترف أنا من خلال قراءة الرواية في الجائزة، أصبحت أفضل مما كنت لو لم أكن في الجائزة. ولو لم أقرأ الرواية لكنت أقل حظاً بأستاذيتي الأكاديمية وهذا من أهم ما وهبتني إياه البوكر. * ربما كانت هناك مساهمة للبوكر في إزاحة الصورة النمطية والتصنيف بأن ثمة بلداناً تنتج أدباً وأخرى لا تنتج كالسعودية!؟ - طبعاً السعودية، لديها إنتاج هائل من الأدب. ومن خلال البوكر بدأت الناس تلتفت لهذا الأمر. لم يعد الأمر محتكراً مثلاً على دولة معينة، فمثلاً لا يحق لدولة ما بدأت في قطاع الثقافة منذ مئة سنة أن تعقتد أنها الوصية الأولى والأخيرة على الثقافة. التنافس مهم جداً لأنه مبني على احترام الآخر واحترام الذات. يجب أن نتذكر أن كل أمة نشأت ووصلت إلى مواقع متقدمة في الثقافة والحضارة والتكنولوجيا، كانت الرواية والأدب عنصرين مهمين من عناصر هذه الأمة. لذا الرواية عندما تأتي من أي بلد هي تعكس مدى تطوره الثقافية. والأدب السعودي، برز جلياً بفضل عبده خال ورجاء العالم وبدرية البشر وغيرهم. الدولة السعودية الناهضة يجب أن يكون بها أدب ناهض، ويشرف هذا المشروع الروائي في السعودية، أن المرأة عامل فاعل فيه. لاحظ في الأدب السعودي المرأة سابقة للواقع الذي تعيشه. سعداوي في حفل جائزة البوكر