جاء فوز الروائية رجاء عالِم بجائزة البوكر العربية في دورتها الرابعة لعام 2011م عن روايتها “طوق الحمام”، تتويجاً للرواية السعودية للعام الثاني على التوالي، وكأن الرواية السعودية قد بدأت تسحب البساط بحق من تحت الروايات العربية، بما فيها الرواية المصرية، والتونسية، والجزائرية، والليبية، والسورية، والخليجية، باستثناء الرواية المغربية التي تناصفت الجائزة مع عالِم في هذا العام وذلك عن رواية الكاتب محمد الأشعري “القوس والفراشة”. بيان لجنة الجائزة أعلن رئيس لجنة التحكيم الروائي والناقد والشاعر العراقي فاضل العزاوي في حفل أقيم في العاصمة الإماراتيةأبوظبي لحظة إعلان الفائزين بالجائزة أن لجنة التحكيم قررت منح الجائزة مناصفة للروايتين (وهي المرة الأولى في تاريخ الجائزة). وأضاف العزاوي: “إن الروايتين رائعتان ومبدعتان وتناقشان بشكل عقلاني ومنطقي مسائل وقضايا حساسة تخص منطقة الشرق الأوسط، وهي مشاكل شاهدناها مكتوبة على اللوحات خلال التظاهرات الأخيرة التي هزت المنطقة العربية بأسرها تطالب بالتغيير”. وأوضح أن رواية “القوس والفراشة” تتناول موضوعي التطرف الديني والإرهاب من زاوية جديدة، وتستكشف تأثيرات الإرهاب على المنطقة العربية لا على الغرب. أما رواية “طوق الحمام” فتكشف عما تخفيه مدينة مكةالمكرمة من عوالم سرية تنضوي على المظاهر السلبية في حياة البشر، وخلف ستارها كمدينة مقدسة تقبع مدينة عادية تحدث فيها الجرائم. وأشار العزاوي إلى أنه تم اختيار الفائزين لهذه السنة من بين ست روايات ترشحت للقائمة القصيرة التي تم الإعلان عنها في العاصمة القطرية الدوحة شهر ديسمبر 2010، حيث قامت لجنة تحكيم مؤلفة من فاضل العزاوي رئيسا، وعضوية كل من الأكاديمية والباحثة والناقدة البحرينية منيرة الفاضل، الأكاديمية والمترجمة والناقدة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو، والكاتب والصحفي الأردني أمجد ناصر، والكاتب والناقد المغربي سعيد يقطين. وتم اختيار القائمتين الطويلة والقصيرة للجائزة بناء على القيمة الأدبية للرواية، دون النظر إلى الجنسية أو الديانة أو الإقليم أو العمر أو الجنس. وأعرب رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية ومؤسسة جائزة بوكر البريطانية جوناثان تايلور عن سعادته بهذا الإنجاز قائلا: “هذه فترة مهمة جدا في تاريخ الرواية العربية، نشهدها اليوم تتبلور من خلال هذا الإعلان المهم، إنها المرة الأولى التي تقرر فيها لجنة التحكيم أن تمنح الجائزة لروايتين بدلا من واحدة تتفرد كل منهما بطرح مبهر”. من جهتها، قالت رئيس برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي سلوى المقدادي: “إنه لفخر لنا أن نشهد فوز أول كاتبة بالجائزة إلى جانب كاتب آخر، ونحن في المؤسسة نؤكد على دعمنا المتواصل للجائزة كوننا الممول الأساسي لها، مشددين على أن المؤسسة لا تتدخل في شؤونها الإدارية أو اختيار لجنة التحكيم أو الأعمال الفائزة، مما يضمن استقلالية الجائزة وشفافيتها”. وكانت الروايتان اللتان فازتا بالجائزة في الدورتين الأولى والثانية هما “واحة الغروب” لبهاء طاهر (2008) و”عزازيل” ليوسف زيدان (2009)، قد تُرجمتا إلى اللغة الإنجليزية من خلال دور نشر سيبتر “هودر آند ستوتن” و”أتلانتيك بوكس”، كما تمت ترجمتهما إلى لغات أخرى عالمية. وأشار عضو اللجنة المحكمة، الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين، إلى وعي اللجنة باتجاه بعض الجوائز العربية لتبني الأعمال التي تركز على قضايا بعينها مثل قضايا المرأة والجنس والإرهاب، بصرف النظر عن أهمية هذه الأعمال، خصوصاً في ظل تناول هذه القضايا في معظم الروايات التي ترشحت للقائمة القصيرة. وقال: “إن اللجنة حاولت التعامل مع بعض القضايا، مع الإشارة إلى أنها من صميم الواقع الاجتماعي، وليس باعتبارها عابرة وطارئة”. تتويج بالبوكر وتعد الروائية رجاء محمد عالِم، تجربة روائية راهن عليها الكثير من النقاد في الساحة السعودية والعربية، بل والعالمية من خلال ما حظيت به من دراسة وبحث ومناقشات علمية وأكاديمية لعدد من رواياتها، ومن خلال عدد من الترجمات التي طالت عدداً من أعمالها، وقدمت في قالب روائي للعالمية. ويعود لرجاء عالِم، وهي الروائية السعودية المولودة في مكةالمكرمة، الفضل في توثيق البيئة المكية/الحجازية عبر عدد من رواياتها. كما تختص رواياتها بسردية رمزية صوفية/غنوصية عميقة، وفق رؤى كونية مفتوحة. ومن أعمالها الروائية الشهيرة: “سِتر، وحَبَى، وموقد الطير، وخاتم، وسيدي وحدانة، ونهر الحيوان، والرقص على سن الشوكة، والموت الأخير للممثل، وثقوب في الظهر وهو (نص مسرحي)، وأربعة أصفار، وطريق الحرير، ومسرى يا رقيب”، وإضافة إلى عملها الأخير الذي حقق هذه الجائزة وهو “طوق الحمام”. وكتب عن أعمالها كتابات نقدية كثيرة من أهمها: ما ورد في كتابات الدكتور عالي القرشي، ومنها ما ورد في كتابه نص المرأة، وكتابه حكي اللغة ونص الكتابة، وبحوث المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين، وما ورد في موسوعة مكةالمكرمة الجلال والجمال -الجزء الثاني- في أكثر من بحث كان من أهمها بحث للدكتور عالي القرشي، والدكتور أحمد جاسم الحسين، والأستاذة نورة المري، وبحث للشاعر الدكتور عزت محمود علي الدين بعنوان: “الخطاب الروائي ومضمرات النص- مقاربات حول بنية الشكل وأبعاد الموقف عند رجاء عالِم (سيدي وحدانة نموذجا). كما نال الدكتور معجب العدواني أستاذ النقد في جامعة الملك سعود رسالة الماجستير والتي كانت بعنوان: “التناصية في رواية طريق الحرير”. إلى أن توّجت كل هذا الدأب من العمل الروائي المركز والدراسة العميقة لرواياتها بفوزها بجائزة البوكر للرواية العربية مناصفة مع الكاتب محمد الأشعري عن روايتها (طوق الحمام). جوائز عالِم الأخرى وليست جائزة البوكر هي الأولى التي تنالها رجاء عالِم عن إبداعاتها، فقد حصلت في عام 1985 على جائزة ابن طفيل للرواية من المعهد الإسباني العربي للثقافة عن روايتها الأولى “أربعة أصفار”. وحازت أيضا جائزة كتاب في جريدة 2005 بمناسبة الاحتفال بستين عاماً على تأسيس اليونسكو وذلك لدورها في إبداع المرأة العربية. كما حصلت على جائزة جوهر السالم للتأليف المسرحي بالكويت عن مسرحيتها “الرقص على سن الشوكة”، وجائزة الإنجاز الإبداعي من مؤسسة اليمامة الصحافية. كما أن المنتدى الثقافي اللبناني في فرنسا منحها جائزته للإبداع العربي لعام 2007. وحملت جائزة الإبداع العربي الأولى اسم الشاعر أدونيس ومنحها المنتدى لكل من الشاعرة مرام المصري والشاعر عبد المنعم رمضان، ومُنحت بعدها جائزة نجيب محفوظ للشاعر قاسم حداد وجائزة محمود درويش للكاتب سليم بركات وجائزة محمد أركون للروائي السعودي أحمد أبو دهمان. الإعلام ظلمها بصمت وأشار وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة في تصريح تناقلته كثير من وسائل الإعلام بعد فوز رجاء عالِم بالجائزة إلى الظلم الذي وقع على صاحبة “طوق الحمام”، مشدداً على أنه آن الأوان لتصحيح الخطأ، ومؤكداً أنها ستلقى التقدير والتكريم. وقال وزير الثقافة والإعلام في صفحته على “فيسبوك”: أهنئ أديبتنا الرائدة رجاء عالِم على الفوز بجائزة البوكر عن روايتها “طوق الحمام” الصادرة عن المركز الثقافي العربي. وأؤكد مرة أخرى، رجاء عالِم أديبة رائدة وقد ظلمها الإعلام، وآن أوان تصحيح هذا الخطأ، وأؤكد أنها ستلقى كل تقدير وتكريم لأنها تستحق ذلك وأكثر. من جانب آخر فقد أوضح الناقد الدكتور معجب العدواني أن رجاء عالِم أبرز من كتب الرواية السعودية حتى الآن، ولا ينافسها أحد من الذكور أو الإناث، وأعمالها هي التي منحتها هذه المكانة، ويضيف أن رجاء عالِم تعمل بصمت بينما تتزايد ضوضاء الآخرين وصخبهم عند كتابة نص خديج يشبه الرواية. وقال: “أنظر إلى أن هذا الفوز بوصفه تتويجاً لطموح عالِم الدائم وجهودها الإبداعية، التي استمرت ما يناهز ثلاثة عقود، وأنتجت أعمالاً سردية في الرواية والقصة القصيرة والمسرح، كان آخرها عملها الروائي المتوّج، ومن المهم الإشارة إلى ما يمكن عدّه أمرًا مهمًا في تجربة عالِم، إذ يمكن تصنيف كتابتها في ثلاث مراحل: الأولى تبدأ بكتاباتها المسرحية مثل: ((الرقص على سن الشوكة)) ورواية ((4 أصفار))، وتتمثل المرحلة الثانية التي تشكل الاتجاه العام لكتابتها وبدأت منذ صدور مجموعتها القصصية ((نهر الحيوان))، ثم توالت أعمالها الروائية ((طريق الحرير)) و((مسرى يارقيب)) و((سيدي وحدانة)) و((حبا)) و((موقد الطير))، ويندرج عملها الأخير في هذا الاتجاه، أما روايتا ((خاتم)) و((ستر)) فتمثلان الاتجاه الثالث في كتابتها، وأعتقد أن هذا التقسيم الثلاثي يشكّل مجمل اتجاهات الكتابة الإبداعية لدى عالِم، وهي في مجموعها تمثل إنتاجًا كتابيًا مختلفًا ومتفردًا في تجربتها الروائية، إذ تتميّز بكونها صالحة للبحث النقدي المعمّق، فهي تحوي ثراء على مستوى الدال بتقاطعها مع العديد من النصوص المختلفة وانفتاحها عليها؛ الأمر الذي جعلها أرضًا خصبة لاستقبال أدوات النقد الحديث، ويثبت ذلك عدد كبير من الدراسات الأكاديمية التي تناولت مشروعها الكتابي، ويكشف أن العلاقة بين التناص كمصطلح نقدي.. وروايات رجاء عالِم يمكن أن تكون حينما تُنجز القراءة النقدية، فالتناص أداة نقدية مناسبة وصالحة لأن تكون مدخلاً للكشف في أعمال رجاء عالِم الروائية”. وقال الدكتور أحمد بن جاسم الحسين إن ما حققته رجاء عالِم من حضور عربي وسعودي يحتاج إلى تأمل نتيجة لتنامي تجربتها، إضافة إلى أن خصوصية رواياتها تشجع الباحث على مقاربة نصوصها لأننا أمام أسلوب يكسر المألوف في الكتابة، ويقود إلى التشظي وتفتت الدلالة أكثر مما يقود إلى غير ذلك.. ويضيف بأن رجاء عالِم وهي ابنة مكةالمكرمة قد حرصت على الاهتمام بهذا المكان وتوجيه الأنظار إليه محاولة الاستفادة من السيري الذاتي في نصوصها الروائية. ويرى أن نصوص رجاء عالِم تنتمي باقتدار إلى الرواية السعودية الجديدة، وتقدم شكلاً مختلفاً للتعامل مع المكان يختلف عن الشكل التقليدي إذ تقدم رواياتها ضالة ثمينة للراغب بالبحث عن حضور مكةالمكرمة في الرواية السعودية الجديدة. ويؤكد أن روايات رجاء عالِم تتوفر على مجموعة من العناصر المشيرة إلى التحديث مع الحرص على وضع كل ما هو: غريب وعجيب ولا معقول وسحري وخرافي، ربما إضفاء بعض السمات التي تدفع في المتلقي شعوراً أنه أمام نص مختلف سعى لمغايرة السائد والمألوف بالنسبة لسياقه التاريخي. ويختتم حديثه أنه من كل هذا وأكثر تستحق رجاء عالِم هذه الجائزة التي جاءت مناصفة مع الروائي المغربي محمد الأشعري. مسيرة البوكر العربية تعد جائزة البوكر من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الانكليزية، وأكثرها صدقية، وذلك منذ تأسيسها عام 1968. حيث تُمنح لأفضل رواية كتبها مواطن من المملكة المتحدة أو من دول الكومنولث أو من جمهورية ايرلندا. وأعضاء لجنة التحكيم في جائزة بوكر هم من نخبة النقّاد والكتّاب والأكاديميين، ويتغيّرون كل سنة بغية الحفاظ على صدقية الجائزة ومستواها المهيب. وتفرعت من البوكر جائزتان عالميتان للرواية هما: جائزة بوكر الروسية التي تأسست عام 1992، وجائزة كاين للأدب الأفريقي عام 2000. وقد أُطلِقت الجائزة العالمية للرواية العربية رسمياً في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، في أبريل 2007. وهي ثمرة تعاون وتنسيق بين مؤسسة بوكر ومؤسسة الإمارات ومعهد وايدنفيلد للحوار الإستراتيجي، التي كانت تتوق إلى تطوير جائزة خاصة بالرواية العربية. والجائزة خاصة بالرواية، وهي تكافئ كلاً من الروايات الستّ التي تصل إلى القائمة النهائية بعشرة آلاف دولار أمريكي، بالإضافة إلى خمسين ألف دولار أمريكي للفائز . وقد فاز في الدورة الأولى بهاء طاهر عن روايته “واحة الغروب”، والدورة الثانية يوسف زيدان عن روايته “عزازيل”، والدورة الثالثة عبده خال بروايته “ترمي بشرر”، وتنافس الكاتبان الروائيان المغربيان بنسالم حميش ومحمد الأشعري إلى جانب أربعة روائيين عرب وهما المصريان ميرال الطحاوي وخالد البري والسعودية رجاء عالِم والسوداني أمير تاج السر لنيل الجائزة في دورتها 2011. ليحصل على الجائزة مناصفة كل من رجاء عالِم عن روايتها “طوق الحمام” ومحمد الأشعري عن روايته “القوس والفراشة”.