انتصر الأسد على جثث أهالي مدينة حلب، وسيطرت قوات نظامه بمساعدة القوات (الروسية والإيرانية وميليشيات حزب الله) على معظم أحيائها، وبارك الأسد للسوريين ذلك (الانتصار) بقوله (... مع تحرير حلب فإن الوضع السوري والإقليمي والدولي لن يكون هو نفسه، وتحرير حلب يرسم التاريخ، وهو أكبر من كلمة مبروك...). بشار الأسد يدَّعي أنه رَسَم التاريخ وحقَّق انتصاراً عظيماً تتعدى مشاعره كلمة (مبروك)، وهو يعلم علم اليقين أنه أعاد لأذهان الشعوب العربية الأصيلة (محرقة الهولوكست) بتفاصيلها، فكل ما ارتكبه من جرائم وانتهاكات بليغة لحقوق الإنسان السوري يتجاوز حدود العقل، ولا يمكن تبريره أو وصفه، وسيسجل التاريخ احتفالات طهرانوموسكو وبعض الأقلام الصحفية العربية بدموية هذا النظام المجرم الذي شاركوه جرائم الإبادة متكاملة الأركان تحت دوافع انتقام طائفية واضحة. وتبقى الأسئلة المحيرة في خضم الأحداث المتسارعة والمعقّدة حول أسباب مساندة موسكو لبشار الأسد، وتخلّي واشنطن عن المعارضة السورية، وعدم تأثر العلاقات الخليجية الروسية بتطورات الأوضاع في حلب، وعلَّ في التحليل الآتي ما يمكن أن يكون إجابة على تلك التساؤلات: أولاً: تجاوزت واشنطن وحلفاءها في الاتحاد الأوروبي الخطوط الحمر في علاقاتها مع موسكو، خاصة ما يتعلق منها بالأمن القومي الروسي، بعدما ضمَّت أوكرانيا بسرعة مكوكية إلى الاتحاد الأوروبي، ووجدت موسكو أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين قاموا بمدّ خطوط الدفاع عن الاتحاد الأوروبي على أعتاب موسكو، وهي المرحلة الأخيرة لتدمير الكيان الروسي السوفيتي الذي بدأ منذ عهد رونالد ريجان؛ لذلك كان لا بد لروسيا من إيجاد ورقة تفاوض قوية لتعيد أوكرانيا إلى منطقة نفوذها ودائرة أمنها القومي. ثانياً: الخطة الأمريكية لتغيير أنظمة الحكم السنية في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها أنظمة حاضنة للإرهاب إلى أنظمة تعددية ديمقراطية، كان هدفها الرئيسي إقامة أنظمة مطابقة لنظام ولاية الفقيه الإيراني ولكن على الطريقة السنية، فتمَّ تثوير الشارع العربي بطريقة لم يشهدها في التاريخ، واستنساخ النظام التركي الإسلامي كنموذج للنظام العربي الجديد، وذلك بعدما استنفدت واشنطن تجاربها مع العرب منذ الخمسينات وبعد استغلال الطائفية الدينية كوسيلة لإحداث التغيير الذي تسعى إليه، وهذا ما عقَّد الأوضاع في الشرق الأوسط وساهم في ظهور التنظيمات الإرهابية. ثالثاً: كان لابد للولايات المتحدة من تغيير الأنظمة الخليجية عن طريق استغلال الطائفية والخلافات الحدودية التي ولَّدت حالة من عدم الثقة بين دول مجلس التعاون؛ ومن أجل أن تحقق واشنطن أهدافها الشيطانية عملت على: 1- مساعدة إيران على تأجيج الروح الطائفية لدى شيعة دول المجلس وخاصة في البحرينوالكويت والسعودية، وهو ما أوجد حالة عدم استقرار منذ الثورة الإيرانية في (1979م) وتوتر العلاقات الخليجية الإيرانية. 2- خَلق حالة من الخوف والذعر بسبب الذراع الإيرانية التي طالت العراق وسورية ولبنان واليمن، وما ترتَّب عليها من تهديدات وتدخلات سافرة في الشأن الداخلي الخليجي والذي عكسته الرسالة التي فُوضت دولة الكويت في (قمة المنامة) الأخيرة بتسليمها إلى القيادة الإيرانية. 3- الضغط على دول مجلس التعاون تحت حجج واهية، كإقرار الكونجرس الأمريكي لقانون جاستا، وإلغاء صفقات السلاح بين واشنطن والرياض والمنامة وربط ذلك بملف قصف المدنيين في اليمن أو حقوق الإنسان. ولكي تكتمل سياسة الضغط السياسي والحقوقي الأمريكي على دول مجلس التعاون يتجدَّد الاختلاف على مضمون الخطاب الخليجي الموجّه للإدارة الأمريكية، لتبدأ رئاسة دونالد ترمب في (20 يناير 2017م) بإشارات غامضة وتصريحات حادة وتعيينات غير مسبوقة في المناصب السيادية المهمة جداً. إن القراءة الدقيقة للعلاقات الخليجية مع كل من (الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وإيران) في ضوء التداعيات والنتائج المتوقعة بعد انسحاب المعارضة السورية من حلب، ورفضها المشاركة في مفاوضات الاستانة في منتصف (يناير 2017م)، وفي ظل التهديدات الخطيرة التي ستواجهها دول مجلس التعاون في القريب المنظور تكشف الآتي: • ضرورة إعداد دراسة إستراتيجية للعلاقات الخليجية الروسية، ووضع أسس جديدة للعلاقات مع إيران، تضع الحد الأدنى الممكن الاتفاق عليه بين دول المجلس لتلك العلاقات؛ وذلك بعد التدخل الروسي المباشر في سورية والإيراني في الشؤون الداخلية لدول المجلس وتحت شعار رعايته للأقليات الشيعية الذي كان له تأثير واضح بامتداد النفوذ الإيراني في العراق وعدد من العواصم العربية وحالة من عدم الاستقرار في عدد من دول مجلس التعاون. • أهمية إعادة تأسيس العلاقات الخليجية الأمريكية وتنشيطها بتشكيل فريق خليجيي من السياسيين والأكاديميين المستقلين تكون مهمته إعداد إستراتيجية جديدة لهذه العلاقات وفق معايير تتواءم مع المستجدات على الساحة الأمريكية ورؤية واضحة أساسها المصالح المتبادلة والشفافية والثقة والالتزام. *المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون