البشر بكل أجناسهم وألوانهم ودياناتهم وبلدانهم ولغاتهم يبحثوا عن السعادة في هذه الدنيا، هي أمنيتهم، وغايتهم ، وهدفهم ، ولهذا فالكتب التي تتحدث عن السعادة، ومفاتيح السعادة، وأسرار السعادة، والنجاح في الحياة أكثر الكتب مبيعاً في المكتبات. ويختلف الناس أفراداً وجماعات في رؤيتهم لتحقيق السعادة ، فمنهم من يرى أن السعادة في المال وارتفاع الرصيد والثراء فتجدهم يلهثوا وراء المال والثراء السريع ولا يفكروا هل الكسب مشروعاً أم غير مشروع أهم شيء يحصلوا على المال والغاية عند بعضهم تبرر الوسيلة فيلجئوا إلى الكذب والغش والتدليس والحلف بالأيمان المغلظة وربما الطلاق ثلاثاً وهم حانثون وفي حقيقة الأمر لا يشعروا بالسعادة ولا بلذتها لأنهم صاروا عبيداً للدرهم والدينار والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ..)) فيعيشوا في تعاسة وقلق وفي ضيق وشقاوة ولم يطعموا لذة السعادة ولم يجدوا ضالتهم المفقودة ولم يصلوا لهدفهم المنشود وكلما كثرة أموالهم كثرة همومهم. والبعض يعتقد أن السعادة في الشهرة فيجري وراء الأضواء والفلاشات وقد يلجأ إلى بذل الأموال الطائلة لجلب الأنظار إليه لكي يتحدث الركبان بأفعاله وأقواله والشهرة تخلق لصاحبها سعادة وهمية يعيش معها في قلق مستمر فأصحاب الفن والنجومية أكثر الناس وقوعاً في براثن المخدرات -إلا من رحم ربك- للبحث عن كنز السعادة المفقود فتزيدهم المخدرات قلقاً وشقاوة فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار . والبعض يرى أن السعادة في المناصب والألقاب والشهادات وتعليق النياشين والرتب ويبحث عن كل وسيلة تحقق له طموحه وفي الحقيقة أن السعادة ليست في جمع المال ولا الشهرة ولا المناصب والألقاب إن السعادة الحقيقية في هذه الحياة في الإبحار على قارب التقوى والتجديف بمجاديف النجاة.. ذكر الله تعالى .. التفاءول.. العمل الصالح.. الإيمان بالقدر..النظر إلى من هو دونك.. قال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28] وقال تعالى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] وقد وجد العبّاد النساك السعادة الحقيقية في مناجاة الله والخشوع له والتذلل بين يديه وقد قال أحد الصالحين لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف ، وقال الإمام الشافعي: إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست للحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا وقال الحطيئة : ولست أرى السعادة جمع مال ..ولكن التقي هو السعيد فتقوى الله خير الزاد ذخراً … و عند الله للأتقى مزيد فالتقوى هي الطريق السريع للسعادة والتقوى كما فسرها علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل . اللهم اجعلنا من المتقين ووفق الله الجميع للسعادة في الدنيا والآخرة. بقلم د . مسفر سعيد لسلوم عميد شؤون المكتبات بجامعة نجران خاص بصحيفة نجران نيوز الالكترونية