خبر نشرته بعض الصحف، وبعضها لم تحفل به رغم أهمية دلالاته ورمزيته غير المسبوقة، وما ينطوي عليه من تفكير شجاع متجاوز للأداء التقليدي: الخبر يخص المجلس البلدي في نجران الذي أصر على تقديم استقالته إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية، وما زال مصراً على الاستقالة؛ لأنه تأكد من عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع في ظل الخلافات المنهجية المستمرة بينه وبين أمانة المنطقة. للمجلس وجهات نظر لا يمكن التقليل من شأنها حيال الأداء وتنفيذ المشاريع واحترام قراراته وتقدير كيانه عند إقرار الصورة النهائية للمشاريع. ولأنه ذلك لم يتحقق كما يرى المجلس، ولأنه شعر، بل تأكد، أنه لا سبيل لتغيير الوضع القائم، لم يجد بداً من تقديم الاستقالة، حفظا لماء الوجه واحتراما للذات والمجتمع.. شخصيا لم أسمع بمبادرات الاستقالة لدينا، أو في أية دولة عربية، أو منتمية إلى العالم النامي. قبل سنوات استقال وزير في الأردن على خلفية تلوث مياه الشرب وكتبت حينها أن هذه السابقة قد تسبب حرجا للمسؤولين، لكني وجدت لاحقا أنني أفكر في واد بعيد عن الحقيقة.. الشجاعة التي تتطلبها ثقافة الاستقالة غير موجودة، ثم من هو هذا المسؤول المجنون الذي يجد نفسه ذات يوم يقتعد كرسيا ذهبيا، يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء دون رقابة أو محاسبة، ثم يفكر في الاستقالة؟؟ ثقافة الخجل من الله والناس تسبق نشوء ثقافة اتخاذ القرار بالاستقالة، وإذا غابت تلك غابت هذه.. هل سمعتم بمسؤول بادر بالاستقالة رغم (البلاوي المتلتلة) التي تحدث في جهازه، ورغم النقد اليومي والتذمر اليومي وسوء الأداء الذي يتحدث عنه الجميع دون استثناء.. أسألكم بالله كم مقالا قرأتموه وحديثا سمعتموه عن الخطوط الجوية خلال الأسبوع الماضي فقط؟، وأسألكم بالله كم سمعتم مثله عن مطاراتنا الكبرى، وخصوصا مطار الملك عبد العزيز؟، فهل تظنون أن أحداً من مسؤولي الخطوط الجوية أو هيئة الطيران المدني سيدشن ثقافة جديدة هي ثقافة الاستقالة بكل ما سوف يتولد عنها من احترام وتقدير للمستقيل؛ لأنه تحمل المسؤولية واتصف بالشجاعة؟؟.. الأمور لا تنبئ بذلك، وسيبقى المجلس البلدي في نجران إلى أجل غير قريب وحيدا في مبادرته الشجاعة.. حمود ابو طالب جريدة عكاظ